اتفاقية عسكرية جديدة بين حكومة الدبيبة وتركيا تثير مخاوف "انتهاك السيادة وتعميق الانقسام" في ليبيا
© Sputnik . Maher Al-Shaery
تابعنا عبر
حصري
وقّعت وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، اتفاقية تعاون جديدة مع نظيرتها التركية، تهدف إلى "رفع كفاءة وقدرات الجيش الليبي في إطار خطة تطوير مؤسسي شاملة تنفذها الوزارة".
جاء ذلك خلال زيارة رسمية أجراها وكيل وزارة الدفاع في الحكومة، إلى العاصمة التركية أنقرة، حيث التقى بوزير الدفاع التركي يشار غولر، وعدد من كبار المسؤولين الأتراك.
وتتضمن الاتفاقية مجالات متعددة، من بينها التدريب العسكري المتقدم وتبادل الخبرات والدعم الفني واللوجستي، بما يسهم في تعزيز الجاهزية القتالية والمهنية لعناصر الجيش الليبي.
مصالح مؤقتة
قال المحلل السياسي الليبي إدريس احميد، إن "الاتفاقية العسكرية الأخيرة بين ليبيا وتركيا، تتضمن بنودًا تتعلق بالتدريب والتأهيل العسكري المتقدم وتقديم الخبرات والدعم الفني واللوجستي، إلى جانب التجهيزات، وهي عناصر أساسية في أي شراكة استراتيجية بين بلدين في المجال الدفاعي".
وأشار احميد في حديثه لـ"سبوتنيك"، إلى أن "التعاون العسكري بين الدول أمر مشروع ومهم، خاصة عندما يتم مع دولة ذات قدرات راسخة وتجربة طويلة مثل تركيا"، لكنه تساءل عن "مدى جدوى هذه الاتفاقية في السياق الليبي الحالي، الذي يتسم بانقسام حاد داخل المؤسسات، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، لا سيما في الغرب الليبي الذي يعاني من الفوضى وغياب الانضباط المؤسسي، إضافة إلى ضعف الكفاءات القيادية".
وأكد أن "الاتفاقيات من هذا النوع ينبغي أن تُبرم في أجواء من التوافق الوطني والاستقرار المؤسساتي"، مشددًا على "أهمية التوازن والشفافية في تحديد الجهات المخولة بالتوقيع".
وتساءل احميد عن الجهة الفعلية التي وقّعت الاتفاقية باسم ليبيا، معتبرًا أن "المُوقّع لا يحمل صفة عسكرية رسمية، مما يُثير الشبهات حول محاولة استمالة الجانب التركي لصالح طرف سياسي معين، ضمن نهج ممنهج يخدم أجندات ضيقة على حساب المصلحة الوطنية".
وأضاف احميد أن "الوضع العسكري في غرب البلاد متأزم، ويغيب فيه الدور المؤسسي الحقيقي، في ظل هيمنة التشكيلات المسلحة وتراجع سلطة الدولة"، مشيرًا إلى أن "توقيع اتفاقيات عسكرية في مثل هذه الظروف لن يؤدي إلى بناء جيش قوي، بل سيُكرّس واقع الفوضى والانقسام".
كما نبّه إلى أن "هذه الاتفاقية لن تمر دون إثارة موجة من الانتقادات الداخلية، نظرًا للانقسام السياسي والعسكري القائم"، مشيرًا إلى "وجود مؤسسة عسكرية حقيقية وفاعلة في شرق البلاد يقودها ضباط محترفون، على خلاف الغرب، الذي قال إن أبجديات العمل العسكري لا يتقنها إلا قلة قليلة هناك".
وأكد على أن "الطريق الصحيح لعقد اتفاقيات عسكرية فاعلة لا بد أن يمر عبر مؤسسات شرعية، في ظل دولة موحدة وجيش موحد"، داعيًا إلى "وقف توظيف الملفات العسكرية في الصراع السياسي، والعمل على إعادة بناء الثقة والاستقرار، باعتبارهما أساس أي مشروع وطني حقيقي يخدم الليبيين كافة".
مثير للجدل
وقال المحلل السياسي الليبي عبد الله الديباني، إن "الاتفاقية العسكرية الموقّعة بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وتركيا، تمنح أنقرة نفوذًا عسكريًا واسعًا داخل ليبيا يمتد لثلاث سنوات قابلة للتجديد التلقائي"، مشيرًا إلى أنها "تحتوي على بنود تثير الكثير من الجدل، خاصة فيما يتعلق بموضوع الحصانة القانونية شبه المطلقة للعسكريين الأتراك، الذين لا يُسمح بمساءلتهم أمام القضاء الليبي حتى في حال ارتكابهم لمخالفات أو جرائم أثناء أداء مهامهم".
وأوضح الديباني، في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، أن "الاتفاقية تمنح القوات التركية حرية حركة غير مسبوقة داخل الأراضي الليبية، حيث يُسمح لهم بالتنقل وهم يحملون أسلحتهم وبزاتهم العسكرية، إضافة إلى التنقل بحرًا وجوًا دون أي قيود تُذكر، كما تشمل بنود الاتفاقية تسهيلات لوجستية واقتصادية غير متوازنة، مثل السماح بفتح فروع للبنوك التركية داخل القواعد، واستخدام البنية التحتية الليبية دون مقابل يُذكر، فضلًا عن إعفاءات جمركية ومالية تُمنح للمعدات والمواد التي تدخلها القوات التركية إلى ليبيا".
وأضاف أن "هذه البنود تُنفّذ فعليًا على الأرض من خلال الانتشار الميداني لضباط ومستشارين عسكريين أتراك، واستغلال القواعد الجوية والبحرية الليبية كمراكز عمليات، وتشغيل الطائرات المسيّرة من طراز "بيرقدار"، بالإضافة إلى وجود بوارج تركية في البحر المتوسط، ما يُظهر أن الهدف الأساسي هو حماية المصالح التركية، لا دعم الدفاعات الليبية".
ورأى الديباني أن "هذه البنود تمنح تركيا سلطة عسكرية شبه مستقلة داخل ليبيا، ما يجعل الاتفاقية أقرب إلى شكل من أشكال الوجود العسكري الدائم، المدفوع باعتبارات استراتيجية تركية، وليس تعاونًا متوازنًا يُعزز بناء جيش ليبي وطني". وأوضح أن "الاتفاقية لا تتضمن برامج زمنية واضحة لإعادة هيكلة الجيش أو تدريب قواته، ولا تفرض أي التزامات مالية مباشرة على الجانب التركي، بل إن العبء المالي واللوجستي بالكامل يقع على الدولة الليبية، بما في ذلك توفير المرافق، الوقود، والخدمات، فضلًا عن تسهيلات للبنوك التركية".
وأكد الديباني أن "هذه الصيغة تجعل مسألة بناء الجيش الليبي مرهونة بالقرار التركي، بدل أن تكون نابعة من خطة وطنية سيادية تهدف إلى خدمة مصالح الدولة الليبية بالدرجة الأولى".
وأشار الديباني إلى أن "الاتفاقية تعمّق عزلة ليبيا إقليميًا، وتزيد من احتمالات التوتر مع عدد من دول الجوار، فمصر على سبيل المثال، ترى في الاتفاق تهديدا مباشرا لأمنها القومي، مما قد يزيد من حدة الانقسام بين شرق البلاد المتحالف تقليديًا مع القاهرة، وغربها المتقارب مع أنقرة، أما اليونان وقبرص، فتعتبرانها جزءًا من تحركات تركية مستمرة في شرق المتوسط تهدف إلى فرض أمر واقع بحري. كذلك تنظر الإمارات وفرنسا ودول أخرى للاتفاقية باعتبارها تكريسًا لنفوذ تركي على حساب أي مسار سياسي جامع داخل ليبيا".
وأضاف أن "هذه الاتفاقية تُضعف صورة طرابلس دوليًا، حيث تعطي انطباعًا بأن حكومة الوحدة الوطنية رهنت السيادة الليبية لصالح أنقرة، ما ينعكس سلبًا على فرص اعتبارها شريكًا متوازنًا أو ممثلًا وحيدًا للشعب الليبي في نظر المجتمع الدولي".
ووصف المشهد العام بأنه "يُحوّل ليبيا إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، بدل أن تكون دولة مستقلة تتحكم بسياساتها الخارجية"، فيما أشار إلى أن "وزارة الدفاع في طرابلس دأبت على القول إنها ضرورية لتعزيز قدرات الجيش الوطني وتحديثه، خاصة في ظل التهديدات الأمنية المحيطة، وتعتبرها امتدادًا لاتفاقيات وُقعت مع تركيا منذ عام 2019، كما تزعم أن الوجود التركي مؤقت ويهدف فقط إلى التدريب وليس التدخل المباشر".
لكن، بحسب الديباني، فإن "هذه المبررات لا تصمد أمام النقد، نظرًا لأن الاتفاقية صيغت دون الرجوع إلى البرلمان الليبي أو التشاور مع مؤسسات الدولة الأخرى، فضلًا عن منحها صلاحيات ميدانية واسعة لأنقرة، ما يقوّض فرص توحيد المؤسسة العسكرية، ويكرّس الانقسام القائم".
12 أغسطس 2024, 10:44 GMT
وأوضح الديباني أن "القيادة العامة للجيش في شرق البلاد تعتبر الاتفاقية تهديدًا مباشرًا لوحدة ليبيا، وتصفها بأنها استقواء بأجنبي، كما أن الحكومة الموازية برئاسة أسامة حماد، ترفضها بشكل علني، في حين يراها مجلس النواب باطلة قانونًا، بحجة أن حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية ولا تمتلك الصلاحية الدستورية لإبرام اتفاقيات دولية بهذا الحجم".
وأكد أن "هذه الاتفاقية لا تخدم مشروع بناء دولة ليبية موحدة ذات سيادة، بل تُستخدم كأداة لتعزيز النفوذ التركي في الغرب الليبي على المستويين السياسي والعسكري، كما أنها تُحمّل ليبيا أعباء مالية ولوجستية ضخمة دون ضمانات حقيقية لتطوير مؤسساتها الدفاعية، مما يُقوّض السيادة الوطنية، ويُعمّق عزلة البلاد عن محيطها الإقليمي والدولي".
