مقاطع الفيديو القصيرة تشكل مخاطر خفية على نمو أدمغة الأطفال

© Getty Images / Suzi Media Production
تابعنا عبر
تستحوذ مقاطع الفيديو القصيرة في منصات التواصل الأجتماعي على اهتمام ملايين الأطفال بمحتواها السريع والمُخصص، وتربط الأبحاث الحديثة بين الاستخدام المُفرط لهذه المقاطع واضطرابات النوم، وقصر فترات الانتباه، وأنماط التصفح القهري، ويحث الخبراء على وضع ضوابط أفضل لحماية عقول الأطفال من هذه المُشتتات المصممة.
ولا يكمن الاستخدام الإشكالي في عدد الدقائق المُستغرقة فحسب، بل في أنماط التصفح التي تُصبح قهرية أو يصعب التوقف عنها، فقد تؤثر هذه الأنماط على النوم والمزاج والانتباه والدراسة والعلاقات، حيث صُممت مقاطع الفيديو القصيرة (التي تتراوح مدتها عادةً بين 15 و90 ثانية) لاستغلال رغبة الدماغ في التجديد.
فكل تمريرة تعد بشيء مختلف، سواء أكانت نكتة أو مقلب أو صدمة، ويستجيب نظام المكافأة في الدماغ فورا، نظرا لأن المحتوى نادرا ما يتوقف، فإن فترات الراحة الطبيعية التي تساعد على إعادة ضبط الانتباه تختفي، ومع مرور الوقت، قد يُضعف هذا القدرة على ضبط النفس والتركيز المستمر، حسب ماورد في صحيفة "ساينس أليرت"، ونستعرض أهم ماجاء حول الموضوع.
حيث أظهر تحليل أُجري عام 2023 وشمل 71 دراسة ونحو 100 ألف مشارك، وجود ارتباط متوسط بين الاستخدام المكثف لمقاطع الفيديو القصيرة، والقدرة على ضبط النفس، وقصر مدى الانتباه، والتقلبات العاطفية الحادة التي تصاحب المحتوى السريع والتي تجعل من الصعب على الدماغ أن يهدأ.
أيضا أكدت دراسة حديثة أن الإفراط في استخدام مقاطع الفيديو القصيرة يرتبط لدى بعض المراهقين باضطرابات النوم وزيادة القلق الاجتماعي، حيث يشاهد العديد من الأطفال اليوم الشاشات في أوقات فراغهم، ويُؤخر الضوء الساطع إفراز الميلاتونين، ما يُصعب عليهم الخلود إلى النوم، وتؤثر اضطرابات النوم هذه على المزاج والقدرة على التحمل والذاكرة، وقد تخلق حلقة مفرغة يصعب على الأطفال، وخاصةً أولئك الذين يعانون من التوتر أو الضغوط الاجتماعية، كسرها.
إضافةً إلى النوم، فإن التدفق المستمر لصور الأقران وأنماط الحياة المُنمقة قد يُفاقم المقارنة، قد يستوعب الأطفال في سن ما قبل المراهقة معايير غير واقعية للشعبية والمظهر والنجاح، وهو ما يرتبط بانخفاض تقدير الذات والقلق، وينطبق الأمر نفسه على جميع أشكال وسائل التواصل الاجتماعي.
تركز معظم الأبحاث على المراهقين، لكن الأطفال الأصغر سنا أقل نضجا في ضبط النفس، ولديهم إحساس هش بالهوية، ما يجعلهم عرضةً للتأثر العاطفي بالمحتوى السريع الانتشار.
يُضيف تعرض الأطفال لمواد لم يكن من المفترض أن يروها خطرا، وقد يزيد تصميم تطبيقات الفيديو القصيرة من احتمالية ذلك، ونظرا لأن المقاطع تظهر فورا وتُشغل تلقائيا واحدة تلو الأخرى، فقد يُعرض على الأطفال مشاهد عنيفة أو تحديات مؤذية أو محتوى جنسي قبل أن يتاح لهم الوقت لاستيعاب ما يرونه أو صرف أنظارهم،
فعلى عكس مقاطع الفيديو الطويلة أو منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التقليدية، لا توفر المحتويات القصيرة أي سياق تقريبا، ولا تحذير، ولا فرصة للاستعداد النفسي، وبمجرد تمريرة سريعة، قد يتحول المحتوى فجأة من فكاهي إلى مزعج، وهو أمر صادم بشكل خاص للأدمغة النامية، مع أن هذا المحتوى قد لا يكون غير قانوني دائما، إلا أنه قد يكون غير مناسب لمرحلة نمو الطفل.
كما تتعلم الأنظمة الخوارزمية من لحظة قصيرة من التعرض، وقد تُزيد من عرض محتوى مشابه في الصفحة الرئيسية، هذا المزيج من الظهور الفوري، وانعدام السياق، والحدة العاطفية، والتعزيز السريع هو ما يجعل المحتوى غير المناسب في مقاطع الفيديو القصيرة إشكاليا بشكل خاص للمستخدمين الصغار، لكن قد لا يتأثر جميع الأطفال بالطريقة نفسها، ويبدو أن أولئك الذين يعانون من القلق، أو صعوبات التركيز، أو التقلبات المزاجية أكثر عرضة للتصفح القهري والتقلبات المزاجية التي تتبعه.
تشير بعض الأبحاث إلى وجود علاقة دورية، حيث ينجذب الشباب المصابون باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) بشكل خاص إلى المحتوى السريع، بينما قد يؤدي الاستخدام المفرط إلى تفاقم الأعراض التي تُصعّب عليهم ضبط النفس.
كما قد يلجأ الأطفال الذين يعانون من التنمر أو التوتر أو عدم استقرار الأسرة أو قلة النوم إلى تصفح الإنترنت في وقت متأخر من الليل للتخفيف من مشاعرهم الصعبة.
هذا الأمر بالغ الأهمية لأن مرحلة الطفولة فترة حاسمة لتعلم كيفية بناء العلاقات، وتحمل الملل، والتعامل مع المشاعر غير المريحة. فعندما تُملأ كل لحظة هادئة بوسائل ترفيه سريعة، يفقد الأطفال فرص ممارسة أحلام اليقظة، وابتكار الألعاب، والدردشة مع العائلة، أو ببساطة ترك أفكارهم تسبح بحرية.
هناك مؤشرات مشجعة على التغيير مع بدء الحكومات والمدارس في معالجة الرفاه الرقمي بشكل أكثر وضوحا، حيث تفرض بعض المدارس قيودا على استخدام الهواتف الذكية خلال اليوم الدراسي، وتحث منظمات مثل منظمة العفو الدولية المنصات على تطبيق إعدادات افتراضية أكثر أمانا، وتحسين آليات التحقق من العمر، وزيادة الشفافية في خوارزمياتها.
وفي المنزل، يمكن للوالدين مشاهدة مقاطع الفيديو معً الأطفال، ومناقشة ما يجذب الطفل إلى بعضها، واستكشاف مشاعره تجاه محتوى معين، كما أن وضع روتين عائلي بسيط، كإبعاد الأجهزة الإلكترونية عن غرف النوم أو تحديد وقت مشترك للتوقف عن استخدامها، يُسهم في الحفاظ على النوم والحد من التصفح الليلي.
كما يُساعد تشجيع الأنشطة غير الإلكترونية، والهوايات، والرياضة، وقضاء الوقت مع الأصدقاء على تحقيق توازن صحية، فمع الدعم المدروس، والسياسات المُستجيبة، وتصميم المنصات الآمن، يستطيع الأطفال الاستمتاع بها دون المساس بصحتهم أو نموهم.




