قال الباحث والخبير السياسي الفلسطيني السوري، تحسين الحلبي، إن "تصويت الكنيست الإسرائيلي ضد قيام دولة فلسطين في الضفة الغربية والقدس جرى في أغلبية 68 عضو كنيست أمام 120 عضوا، وهذا لا يعني أن البقية لم يوافقوا"، مشيرا إلى أن هناك جزءا منهم عرب يرفضون هذا القرار وينددون به، كما أن حزب "يوجد مستقبل" الذي يقوده، يائير لابيد، لديه من 16 إلى 20 مقعدا، وقد خرج من القاعة وتغيب عن التصويت حتى لا يضع نفسه في حساب "نعم" أو "لا"".
وبيّن الباحث والخبير السياسي أن "طريقة التصويت على القرار مراوغة سياسية بين أحزاب المعارضة، فهو يشكل ضربة قوية لمسألة الدولة الفلسطينية إذا استندنا إلى وجود سعي لدى أحزاب إسرائيلية لتشكيل دولة".
وأشار الحلبي إلى أنه "في العام 1993 وافق حزب العمل على اتفاقات أوسلو التي بموجبها تسمح إسرائيل بإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس للشعب الفلسطيني، لذلك أقيمت السلطة الفلسطينية تنفيذا لإنشاء هذه الدولة، لكن وحتى الآن، وبعد أكثر من 30 سنة لا نرى أي مؤشر على إمكانية إنشاء دولة فلسطينية"، موضحا أن "قرار الكنيست هذا يعد بمثابة استفتاء للجمهور الإسرائيلي حول إنشاء دولة فلسطينية، وهنا تظهر خطورة وتصلب كل الأحزاب الإسرائيلية في أن لا تقوم دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس".
توقيت القرار "ما بعد طوفان الأقصى"
وقال الحلبي: "إن توقيت قرار الكنيست هو توقيت ما بعد طوفان الأقصى، أي ما بعد الأزمة العميقة التي ولّدها الطوفان في الكيان الإسرائيلي، وإحباط أهدافه في تهجير الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، والقضاء على المقاومة، وتيئيس الشعب الفلسطيني من مستقبل وجوده في القطاع بعد كل هذا الدمار، لافتا إلى أن الإسرائيليين فشلوا في تحقيق هذه الأهداف، ووجدوا أن هذا التوقيت لرفض قيام الدولة الفلسطينية سيعني بشكل أوتوماتيكي أن المشروع الآن للدولة الفلسطينية هو قطاع غزة، أي إن إسرائيل ستسكت على استمرار بقاء فصائل المقاومة في قطاع غزة".
نتنياهو يدفع الدولة الفلسطينية نحو غزة
وأضاف الحلبي أن "نتنياهو في بداية طوفان الأقصى كان يقول إنه لن يسمح بأن تعاد إدارة الحكم في قطاع غزة لحماس، أما الآن هو يتجه ربما نحو أن يؤسس الفلسطينيون دولة في القطاع، ويسكتوا عن الضفة الغربية والقدس، فيعدل هزيمته على الأرض في قطاع غزة بأن يضم الأراضي المحتلة منذ عام 1967"، موضحا أن "نتنياهو بهذه الطريقة يفصل بين السلطة الفلسطينية التي لم يعد لها دور في الضفة الغربية، وبين قطاع غزة الذي يعد له مستقبل تشرف عليه إسرائيل، أي العودة إلى صفقة القرن التي أعلن عنها ترامب بأن تقام دولة فلسطينية في قطاع غزة".
وحول تداعيات هذا القرار، أشار الحلبي إلى أن الفلسطينيين سيقاومونه في الضفة الغربية ويستمرون في مقاومتهم المسلحة، وأن فصائل المقاومة في قطاع غزة ستقاوم هذا القرار برفض أي تعاون أو مفاوضات على إنشاء دولة فلسطينية في القطاع دون ربط هذه الدولة ببقية الأراضي في الضفة الغربية والقدس، أي ستصر على وحدة الأراضي التي تعد لإنشاء دولة فلسطينية عليها بموجب اتفاقات أوسلو وقرارات المجتمع الدولي برفض الاستيطان في الضفة الغربية والقدس وبالتنديد به وعدم شرعيته.
أمريكا ستصمت ولن تطلب مراجعة القرار
وبيّن الحلبي أن هذا القرار سيجعل السلطة الفلسطينية وهي ممثل للشعب الفلسطيني أمام استحقاق أن وجودها في رام الله كسلطة فلسطينية لا يمكن أن يستند إليه بإنشاء دولة في الضفة والقدس، لأن أمريكا ستسكت على هذا القرار ولن تطلب من الكنيست مراجعته وسحبه من التداول، ونتنياهو سيصر عليه لأنه سيمثل تعويضاً عن هزيمته في القطاع أمام الإسرائيليين الذين يطالبونه بالاستقالة.
المطلوب لجنة مشتركة ترفض القرار وتسقطه
وأشار الحلبي إلى أن المطلوب الآن على الصعيد الفلسطيني هو بيان مشترك من قيادة مشتركة من حركة فتح بأن تعلن تشكيل لجنة مشتركة مع الفصائل كافة، ترفض هذا القرار وتعمل على إسقاط أي شكل من أشكال تنفيذه، ومنع هذا الكيان من تحقيق أهدافه، مضيفا أن هناك مؤتمرا، في 21 يوليو/ تموز، في الصين، دعت إليه بكين كل فصائل المقاومة الـ 14، للتباحث، بوجود حركة فتح وحماس وعلى أعلى مستويات التمثيل، لافتا إلى أن الصينيين أصروا على أن يكون مستوى التمثيل هو، محمود عباس، ويبدو أنه أراد أن يتخلف قليلا ليرسل نائبه، محمود العالول.
وأوضح الحلبي أن "المطلوب من الفصائل في هذا المؤتمر وهذا ما ستعمل على تحقيقه الصين، الحرص على الحقوق الفلسطينية، ووحدة الصف الفلسطيني، وخاصة في هذا التوقيت، وبالتالي كل قادة الفصائل أمام استحقاق لا يجب تجاهله، وهو الإعلان في البيان الختامي، في 23 تموز (يوليو)، عن تشكيل لجنة قيادية واحدة تضع برنامج التصدي للمشروع الإسرائيلي بمنع نشوء الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية".
وأكد الحلبي أن "السلطة الفلسطينية في خطابها السياسي الموجه للمنطقة والعالم والولايات المتحدة الأمريكية بالذات تقول دوما إنها لن تتخلى عن التفاوض مع إسرائيل، ولن تتخلى عن الدور الذي تقوم به أمريكا بالوساطة من أجل إنجاح هذا التفاوض، ولن تتخلى عن سياستها منذ اتفاقات أوسلو، ولن تقبل بوجود مقاومة مسلحة في الضفة الغربية والقدس، مبينا أنها ستحاول من خلال هذا الخطاب أن تقول للولايات المتحدة أنه بإمكانكم أن تعتمدوا علي، رغم أنها ما تزال رهينة في يد الحكومة الإسرائيلية والحكم العسكري في الضفة الغربية".
ولفت الحلبي إلى أن السلطة لم تقبل ولم تلجأ إلى الامتناع عن التفاوض حتى حين كان الكيان الإسرائيلي يتوسع في الاستيطان وفي عمليات الإجرام ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، واستمرت في خطابها نفسه.
وتساءل الحلبي: "إذاً على ماذا ستتفاوض السلطة الفلسطينية الآن بعد تصويت الكنيست؟ فما موضوع التفاوض مع الإسرائيلي؟ على أي مواضيع؟ على اعتقال المقاومين في الضفة وإسكات أصواتهم؟ على الترويج للسكوت على ما يقوم به الاحتلال من استيطان وسلب لأراضي الفلسطينيين؟ على الحصار ووجود 550 حاجزا عسكريا يفصل ويقسم القرى والمدن في الضفة الغربية؟"، مبيناً أن "الكنيست أقر عدم وجود دولة، فالدولة هي إسرائيل في الضفة الغربية وهذه المناطق تحت السيادة الإسرائيلية وليست فراغا تملؤه السلطة الفلسطينية. فهل ستتفاوض السلطة على دور مساعد لتحقيق هذا الهدف الإسرائيلي أو دور صامت أمام ما ستفعله إسرائيل لتحقيق هدفها؟".
ورأى الحلبي أنه "من الأفضل للسلطة الفلسطينية أن تعلن لأمريكا قبل غيرها أنها تسحب اعترافها بدولة اسرائيل ردا على قرار الكنيست، ولا شك أن إسرائيل حتى حين توافق على وجود دولة في غزة، فهي ليست تلك الدولة التي استندت إليها اتفاقات أوسلو، وبالتالي في أوسلو هناك اعتراف لمنظمة التحرير بإسرائيل ويجب سحبه".