تراجعت زراعة القطن في سوريا في السنوات الماضية نتيجة للحرب الدائرة، هذا المحصول الاستراتيجي وخاصة بعد خروج منطقة الجزيرة الواقعة تحت سيطرة الميليشيات التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، عن دائرة الإنتاج، أدى إلى تحويل سوريا من بلد منتج ومصدر للقطن إلى مستورد بعد الاضطرار إلى السماح باستيراده، لتغطية احتياجات معامل القطاع الخاص.
لا ينظر المزارعون في ريف حلب إلى محصول القطن كمحصول زراعي يحسن معيشتهم، فهو يشكل بالنسبة لهم عرفا وثقافة اجتماعية متأصلة نتيجة زراعته منذ عقود، لذا يصرون على زراعته رغم الخسائر المتكررة، حيث تروي وفاء اليوسف لـ"سبوتنيك" الطقوس التي يعيشها أهالي منطقة (السفيرة) في ريف حلب الشرقي عند قطاف محصول القطن، الذي يتحسرون على أيام عزه ويتمنون عودتها، فتقول: "نتوجه في الصباح الباكر إلى الأرض لقطفه بأيدينا رغم حواشه الصعب نتيجة إصابته بحشرة أضرت بالمحصول والأرض، فاليوم أجور اليد العاملة مرتفعة وتزيد من خسائرنا".
توافقها الشابة عائشة جمعة، فتقول: "يتوجه كامل أفراد العائلة إلى الأرض لحواش محصول القطن وسط طقوس محببة وخاصة عند رؤية أغلب العائلات في أراضيهم التي تكتسي باللون الأخضر والأبيض".
إرث وثقافة
التحسن الطفيف في زراعة محصول القطن أشار إليه الفلاح صلاح كلاك، الذي يعتبر محصول القطن كأحد أبنائه وإرث هام تناقله الآباء عن الأجداد: "محصول القطن يعد جيد مقارنة بالعام الفائت، والفلاحون مستعدون للتوسع بزراعته لكن شرط تقديم الدعم الكاف وتسليم قيمة المحصول فورا".
ويضيف كلاك: "نطالب بتأمين المياه للسقاية بعد تضرر أقنية الري خلال الحرب، مع المساهمة بتأمين مستلزمات زراعته الأساسية كالسماد والمازوت والمبيد الحشري، عبر إيجاد آلية تضمن شراءها من الدولة السورية ولو "بالدين" بدل الاضطرار إلى الاستعانة بالتجار.
يوافقه الرأي المزارع محمد الحمادي، رئيس الرابطة الفلاحية في منطقة السفيرة، ليؤكد أن زراعة محصول القطن تعد ثقافة اجتماعية عند الأهالي، حيث يزرعونه سنويا رغم غلاء مستلزمات الزراعة، مطالبا بتحسين مستوى معيشة الفلاحين وزيادة المساحات المزروعة لتخفيف التكاليف على الفلاحين، والأهم تأمين مياه للري مع ضرورة التوجه للري الحديث، وتوفير بذار قصيرة الدورة الإنتاجية باعتبار أن القطن محصول وحيد الدورة على نحو يمنع الفلاحين من الاعتماد على بذار مهربة، تلحق أضرارا بليغة في الأرض والمحصول.
ويذهب رئيس دائرة الزراعة في منطقة السفيرة بالاتجاه ذاته مع تبيان أن إنتاج القطن في منطقة السفيرة المنطقة الزراعية الأهم بريف حلب يعد جيد، في ظل متابعته منذ بدء مرحلة الزراعة إلى القطاف وحتى التسويق إلى محلج تشرين بحلب.
التصدير إلى روسيا
يؤكد الصناعي جلال كوزم، عضو غرفة صناعة حلب وصاحب مصنع للنسيج في منطقة العرقوب الصناعية، بأن تدني المساحات المزروعة بمحصول القطن تضرر منه الفلاحين والصناعيين، وخاصة في مدينة حلب المعروفة بمدينة النسيج، حيث لا تعمل مصانع النسيج بكامل طاقاتها نتيجة عدم توفر المادة الأولية اللازمة لتشغيله.
وطالب الصناعي كوزم بالعودة إلى زراعة محصول القطن وخاصة أن سوريا تعد بلدا زراعيا بامتياز، وذلك بدل اضطرار الصناعيين الاعتماد على التجار لتأمين المادة الأولية من المناطق خارج السيطرة كمنطقة الجزيرة السورية (شرقي سوريا)، بعد سماح الحكومة بذلك وفق مخصصات صناعية كحل إسعافي، علما أن المادة الأولية المستوردة تحتوي الكثير من العوادم تجعل الخيوط المنتجة سريعة الانقطاع، خلافا للقطن السوري المشهود له عالميا بنوعيته الجيدة، لذا الأجدى وضع خطة لمدة زمنية محددة بالتعاون بين وزارة الزراعة والصناعة للتوسع بزراعة القطن كالسابق.
ورغم هذا الواقع الصعب يؤكد الصناعي كوزم تصدير الألبسة إلى عدد من الأسواق الخارجية ومنها روسيا، لكنها ليست بالمستوى المطلوب، الذي يطمح صناعيي حلب بالنظر إلى العلاقات الاستراتيجية الثنائية، متمنيا زيادة نسبة التصدير عبر اتخاذ عدة خطوات كإقامة معارض مشتركة لترويج المنتجات السورية في الأسواق الروسية والعكس.
وأشار الصناعي كوزم إلى أن نتيجة نقص المادة الأولية اللازمة لتشغيل المعامل يواجه الصناعيين نقص في بعض أنواع الخيوط الأساسية، مطالبا وزارة الصناعة بحل هذه الإشكالية لتطوير صناعة النسيج عبر تأمين عدد أكبر من هذه الخيوط.
تصدير إلى روسيا
ورغم هذا الواقع الصعب يؤكد الصناعي كوزم تصدير الألبسة إلى عدد من الأسواق الخارجية ومنها روسيا، لكنها ليست بالمستوى المطلوب، الذي يطمح إليه صناعيي حلب بالنظر إلى العلاقات الاستراتيجية الثنائية، متمنيا زيادة نسبة التصدير عبر اتخاذ عدة خطوات كإقامة معارض مشتركة لترويج المنتجات السورية في الأسواق الروسية والعكس.
محاصيل أكثر جدوى
يتحدث مدير زراعة حلب المهندس، رضوان حرصوني، لـ"سبوتنيك" عن المساحات المزروعة بمحصول القطن وأسباب تراجع زراعته فيقول: "بلغت المساحة المخططة 3250 هكتار بحلب، لكن المساحة المنفذة لم تتجاوز 451 هكتار فقط، يتوقع أن تنتج 1125 طن، وتعد نسبة ضئيلة جدا مقارنة بسنوات ما قبل الحرب.
وأرجع حرصوني أسباب عزوف الفلاحين عن زراعة محصول القطن إلى تكاليف الإنتاج العالية والتوجه إلى زراعة محاصيل مجدية اقتصاديا كالذرة الصفراء والجبس البذري، وتكاليف اليد العاملة وصعوبة توافرها في الأرياف، وشراهته للمياه، داعيا الفلاحين للتوجه إلى الري الحديث كونه أقل تكلفة وأسلم للتربة.
ولفت حرصوني إلى أن الحكومة السورية تدعم فلاحي المحصول قدر المستطاع عبر تأمين مازوت الفلاحة بالسعر المدعوم والقيام بجولات حقلية لمكافحة الآفات الحشرية وتنظيم ندوات توعية للتحذير من خطورة الزراعة بالبذار المهربة.
شروط فنية محددة
مدير مكتب القطن المهندس أحمد العلي، لفت إلى التخطيط لزراعة مساحة تجاوزت 14 ألف هكتار ضمن المناطق الآمنة، زرع منها 8722 ألف هكتار بزيادة قدرها 1500 هكتار، متوقعا إنتاج 21 ألف طنا بشكل أولي، وهو رقم قليل قياسا بسنوات ما قبل الحرب، فحلب كانت تزرع مساحات تمتد على قرابة 25 ألف هكتار، أي أضعاف زراعته حاليا على امتداد سوريا كاملة التي كانت تقارب مساحة زراعته 175 ألف هكتار سابقا، علما أن المساحات المزروعة في تزايد منذ تحرير المناطق في مدينة حلب وغيرها، بدليل تحسن واقع زراعته بنسبة طفيفة هذا العام.
ويضيف العلي: "الخطة المقرة لهذا المحصول تكون حسب الموارد المائية المتاحة وحاجة وزارة الصناعة لتشغيل معامل القطاع العام، وعند وجود فائض يمنح للقطاع الخاص، الذي سمح له استيراد القطن والتوريد من المناطق خارج السيطرة، على أن لا يتم دخول أي كمية إلى المحالج دون امتلاكها شروط فنية محددة تظهر بعد سحب عينات خلوها من أي أمراض".
وبشر مدير مكتب القطن، دخول صنف جديد في الخطة الزراعية العام القادم اسمه "قطن 1" مخصص للأراضي في مدينتي حلب وحماة، يتميز بالإنتاجية العالية ودورة الإنتاج القصيرة تخفيفا للتكاليف على الفلاحين.