وبموازاة الحرب المشتعلة على قطاع غزة، تشهد الضفة الغربية تكثيفا للاستيطان ومصادرة الأراضي بشتى الطرق، ويغلق الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية، منذ بدء الحرب على قطاع غزة، ويفصل المدن والقرى الفلسطينية عن بعضها بحواجز وبوابات عسكرية وسواتر ترابية، ما يعرقل حركة التنقل بين المدن والقرى بالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يمضون ساعات لقطع مسافات قصيرة.
وفي بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، يشتد الاستيطان ومنذ السابع من أكتوبر 2023، قررت السلطات الإسرائيلية بناء مستوطنات جديدة، ومئات الوحدات الاستيطانية في أكثر من مستوطنة، بالإضافة لمصادرة الأراضي لشق طرق استيطانية جديدة، ومحاصرة أراضي المواطنين ومنع الوصول إليها، والاعتداء على المواطنين وحرق أراضيهم الزراعية.
شجرة زيتون تتحدى الاستيطان
وفي قرية الولجة، غرب مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، تعيش أقدم وأكبر شجرة زيتون في فلسطين، ويقدر عمرها بنحو 5 آلاف سنة، ويغطي حجمها أكثر من 250 مترا مربعا، ويمتد ارتفاعها إلى نحو 13 مترا، وجذورها إلى نحو 25 مترًا تحت الأرض، وفقا لوزارة الزراعة الفلسطينية.
وتعود مليكة الشجرة لعائلة أبو علي في منطقة وادي جويزة، التي تقع في قرية الولجة في بيت لحم، وأطلق عليها مجموعة متنوعة من الأسماء، من بينها الحصن، والمرأة العجوز، وأم الزيتون، وعروس فلسطين.
ويقول المزارع صلاح علي، والذي أوكلت إليه مسؤولية حراسة الشجرة لوكالة "سبوتنيك": "هذه الشجرة من أقدم وأجمل أشجار الزيتون على وجه الأرض، وقدر عمرها بنحو 5 آلاف سنة من خلال فريق زراعي دولي بالتعاون مع فريق فلسطيني، وتعتبر هذه الشجرة معلم طبيعي وسياحي جذاب للناظرين إليها".
ورغم قضاء صلاح معظم وقته تحت الشجرة، فإنه لا يزال يشعر بالرهبة منها، لكبر حجمها وجمال فروعها، ولكن هذه الشجرة القديمة باتت مهددة بالقطع، جراء سعي السلطات الإسرائيلية إلى توسيع إحدى المستوطنات، فالسياج لا يبعد كثيرا عن الشجرة، ويخشى صلاح من احتمال أن يفصله سياج إسرائيلي آخر في يوم من الأيام عن شجرة الزيتون القديمة.
ويضيف صلاح: "الخطر يحيط بنا بسبب سياج الاستيطان، الذي لا يبعد من الشجرة سوى عشرات الأمتار، ونحن نعلم أن كل فلسطين مهددة من الاستيطان، ولكن هذه الشجرة لها قيمة كبيرة، وإن شاء الله يحفظها، ويجب أن نحافظ عليها ونحرسها كمزارعين وأصحاب أراضي، ونحن هنا صامدون متجذرون في الأرض كما هي الشجرة".
ويقول الباحث في شؤون الاستيطان، حسن بريجية، لـ"سبوتنيك": "هناك تعمد من المستوطنين إلى استهداف هذه الشجرة، لما لها من أهمية ومكانة لدى الفلسطينين، وهذه الشجرة لا تعبد عن جدار الفصل سوى 150 متر فقط، وهذه المكانة الوجدانية والرمزية للشجرة معرضة للخطر، كالحرق أو القطع من قبل المستوطينين، من أجل إزالة كل ما له علاقة بوجود الفلسطيني فوق أرضه".
وتنتج تلك الشجرة، كميات كبيرة من الزيتون سنويا، فهي مصدر دخل لصلاح وعائلته، ويقول صلاح لوكالة "سبوتنيك": "الحمد لله، هذا الموسم كان جيدا، وقد قطفنا من الشجرة قرابة 600 كيلو زيتون، وما زلنا نقطف ثمارها المتساقطة يوميا، والاحتلال يريد أن يدمر أشجار الزيتون، لكن هذه الشجرة التي صمدت كل هذا الزمن الطويل، تتحدى الاستيطان وتواجه بصمود وصبر وعطاء، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة، وهذه الشجرة تستحق الحياة، وهي حياتنا ومصدر رزقنا".
ويعيش المزارعون الفلسطينيون في الولجة والقرى المجاورة تحت تهديد أوامر الهدم، بسبب بناء المستوطنات الإسرائيلية، لكن جميع المزارعين يصرون على البقاء فوق أرضهم، والحفاظ عليها في وجه الاستيطان، كما يصر صلاح علي على البقاء حارسا على أقدم شجرة زيتون في فلسطين.
واتهمت السلطة الفلسطينية إسرائيل بإتلاف 800 ألف شجرة زيتون، منذ عام 1967، وما زال هناك مساحات واسعة من أشجار الزيتون تقع قرب وبعد الجدار الفاصل، وفي أراض بنيت عليها مستوطنات إسرائيلية، ومهددة بالمصادرة والإتلاف.