بعد احتراق رئة سوريا... تضامن إقليمي والأمم المتحدة تدخل على خط النار

لليوم الخامس على التوالي، خط النار لا يزال مشتعلا في محافظة اللاذقية شمالي سوريا، ملتهما حتى الاَن 10 اَلاف هكتار من الغابات والأراضي الزراعية، في حين تواصل فرق الإطفاء السورية، بمساندة فرق من تركيا والأردن ولبنان، جهودها للسيطرة على النيران التي تتوسع رقعتها في ريف اللاذقية.
Sputnik
ووصلت الحرائق إلى غابات الفرنلق، وامتدت في أحد وديان جبال التركمان شديد الانحدار، حيث عملت الفرق على قطع طريق النيران، وما زالت تواصل محاولاتها لإخمادها. وتشير التقديرات الأولية إلى تضرر نحو 10 آلاف هكتار من الغابات، بحسب ما أكده وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري، رائد الصالح، الذي وصف ما حدث بـ"الكارثة البيئية الحقيقية".

وأكد أن "خسائر الحرائق التي اندلعت في ريف اللاذقية اقتصرت على الماديات"، مشيرًا إلى "إصابة مدنيين بجروح طفيفة و8 من عناصر الدفاع المدني"، حسبما أفادت وكالة الأنباء السورية "سانا".

حرائق مفاجئة تلتهم جبال "ربيعة" في اللاذقية غربي سوريا... فيديو
وقال وزير الطوارئ في مؤتمر صحفي: "مشكلة الألغام وعدم وجود خطوط نار وإهمال النظام السابق للغابات شكلت عوائق أمام استكمال عملية الإطفاء، علما أن نتائج الحرائق كارثية ونعمل ضمن إمكانياتنا"، مبينا أن "هناك أكثر من 80 فريقاً في الميدان ونحو 180 آلية وبلدوزرات وتركسات لفتح خطوط النار وتهيئة طرقات آمنة لفرق الدفاع المدني للوصول إلى الحرائق".
وأعرب الصالح عن شكره لتركيا والأردن ولبنان لإرسالهم فرق إطفاء ومروحيات للمساعدة في إخماد الحرائق وللأهالي والمتطوعين ومنظمات المجتمع المدني.
مروحيات أردنية تشارك في إخماد حرائق الساحل السوري... فيديو
من ريف حماة إلى ريف اللاذقية
وأفاد مراسل وكالة "سبوتنيك" أن الحرائق امتدت من جبال مصياف في ريف حماة إلى غابات ريف اللاذقية الشمالي، مهددة أحد أهم الأقاليم البيئية الغنية بالغابات والتنوع البيولوجي. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة لاحتواء النيران، لا تزال ألسنة اللهب تلتهم مساحات كبيرة من الغطاء النباتي لليوم الخامس على التوالي.
وقال المهندس الزراعي سامر الخالد في حديث لوكالة "سبوتنيك": "بدأت الحرائق يوم الجمعة في منطقة سهلات مجلي، في ريف مصياف التابع لمحافظة حماة، حيث هرعت فرق الإطفاء، مدعومة بعشرات المتطوعين، إلى المكان في محاولة لمحاصرة الحريق والحد من توسعه. غير أن الرياح الجافة والقوية والطبيعة الوعرة للتضاريس حالت دون وصول الآليات إلى بعض البؤر المشتعلة، ما ساهم في انتشار الحريق بسرعة باتجاه جبل الرصافة وسهلات القاهر".
وبحسب تقديرات الدفاع المدني، بلغ إجمالي المساحة المحروقة في ريف مصياف نحو 1760 دونما.
طائرات "إليوشن" روسية تشارك في إخماد حرائق غابات سوريا... صور وفيديو

انتشار أوسع: الحرائق تصل إلى ريف اللاذقية

ثم بدأت الحرائق تنتقل إلى ريف اللاذقية الشمالي، حيث تم الإبلاغ عن عدة بؤر مشتعلة في كل من قسطل معاف، وربيعة، وزينزاف. وتمتاز هذه المناطق بكثافة غطائها النباتي وغناها بالغابات، إلى جانب تضاريسها الوعرة التي زادت من تعقيد عمليات الإطفاء.
ويشير الخالد إلى أن "عوامل عدة ساهمت في اتساع رقعة الحرائق، على رأسها الرياح الجافة وشديدة السرعة، بالإضافة إلى وجود مخلفات الحرب، التي حالت دون دخول الكثير من الفرق حرصا على سلامة أفرادها، وأدى هذا الوضع إلى فقدان السيطرة على بعض الجبهات، ما أجبر الجهات المعنية على طلب المساعدة من الخارج".

استجابة إقليمية: دعم من تركيا والأردن ولبنان

مع استمرار الحريق في التوسع، بدأت الحكومة السورية باستخدام مروحيات تابعة للجيش السوري في مهام الإخماد، خاصة للوصول إلى المناطق الوعرة. ومع تدهور الوضع البيئي وازدياد المساحة المتضررة، طلبت دمشق الدعم من تركيا، الأردن ولبنان. وبالفعل، سارعت هذه الدول إلى إرسال فرق إطفاء متخصصة، بالإضافة إلى مروحيات وطائرات مكافحة حرائق حديثة، ومعدات ثقيلة لدعم الجهود المحلية.
مجتمع
حرائق تركيا تخرج عن السيطرة.. النيران تلتهم منازل في هاتاي وإزمير.. فيديو

أكثر من 140 ألف دونم التهمتها النيران

حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، يؤكد الخالد أن "النيران أتت على نحو 140,000 دونم من الأراضي الحراجية، في واحدة من أكبر الكوارث البيئية التي تشهدها سوريا خلال السنوات الأخيرة"، مؤكدا أن "النيران تتركز حاليا في منطقة ربيعة، وامتدت إلى غابات الفرنلق، وهي من أهم الغابات الاستراتيجية في الساحل السوري".

رئة سوريا تحترق

من جانبه، حذر مدير مؤسسة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، منير مصطفى، من توسّع الحرائق في غابات الفرنلق، موضحاً أن "فرق الإطفاء والدفاع المدني تعمل جاهدة على منع تمدد الحرائق في غابات الفرنلق، لأن توسعها في المحمية يشكل تحديا كبيرا نظرا لكثافتها واتساع مساحتها".
وأشار مصطفى إلى "مشاركة أفواج وطيران إطفاء من تركيا والأردن ولبنان، في عمليات إخماد الحرائق ضمن جهود الاستجابة في يومها الخامس على التوالي".
اندلاع حرائق بمناطق عدة في الجبل الأخضر شرقي ليبيا.. فيديو

غابات الفرنلق.. الرئة الخضراء المهددة

تمتاز غابات الفرنلق بتنوّع طبيعي بيولوجي غني ونادر على مستوى الشرق الأوسط،
حيث تغطي الغابة أشجار حراجية كثيفة، من أبرزها الصنوبر البروتي والسنديان، إلى جانب أنواع أخرى كالدلب المشرقي، والأرز (الشوح)، والقطلب، والعرعر. ويقدر عدد الأنواع النباتية في الغابة بأكثر من 200 نوع، ما يجعلها واحدة من أغنى الغابات بالتنوع النباتي في سوريا بل وفي الوطن العربي بأسره.

وتمتاز الفرنلق بأهمية تراثية وطبية خاصة، حيث تحتوي على عشرات النباتات والأعشاب التي استخدمها السكان المحليون عبر الأجيال في التداوي الشعبي، حتى وصفت بأنها "صيدلية طبيعية". وقد وثقت المسوحات العلمية وجود 69 نوعا من النباتات الطبية والعطرية ضمن نطاق الغابة، إلى جانب رصد أنواع نادرة عدة من أزهار الأوركيد البري، المدرجة على قوائم الحماية الدولية مثل اتفاقية "سايتس ".
وتشكل غابة الفرنلق موطنا بيئيا فريدا، يجمع بين الجمال الطبيعي والثراء البيولوجي، ويجعل من حمايتها أولوية قصوى لضمان استدامة هذا الكنز البيئي للأجيال القادمة.
طائرات روسية تسهم في إخماد حرائق ميناء "رجائي" الإيراني... فيديو

تشجير ما بعد الكارثة

يرى الخالد أن "أي خطة لإعادة التشجير لا بد أن تبدأ بتأمين الحماية ومنع تكرار الكارثة. وتتضمن الإجراءات المطلوبة: إزالة الأعشاب الجافة بشكل دوري، وتقليم الأشجار السفلية لمنع انتشار النيران، وإنشاء طرق ترابية بين الغابات بعرض لا يقل عن 2 متر، والإسراع في بناء مراكز مراقبة وإنذار مبكرز ناهيك عن فرض رقابة على الأنشطة البشرية، وخاصة منع إشعال النيران في الغابات تحت أي ظرف، و إعداد خطة وطنية للتشجير تكون مدروسة ومستدامة".

كم من الوقت يحتاج الغطاء النباتي للتعافي؟

بحسب الخالد: "تعتمد مدة تعافي الغابات على نوع النباتات وشدة الضرر، إذ يمكن للأعشاب القصيرة والنباتات البرية أن تتجدد خلال 1–3 سنوات إذا توفرت ظروف الرطوبة والبيئة المناسبة. أما الشجيرات المتوسطة فتستغرق من 5–10 سنوات، في حين تحتاج الأشجار الغابية مثل السنديان والصنوبر إلى 15–30 سنة".

ويضيف: "أما النظم البيئية الغابية الناضجة التي تحتوي على تنوع حيوي متكامل، فقد تحتاج إلى أكثر من 50–100 سنة لتعود إلى حالتها السابقة"، مؤكدا أن "عوامل مثل حالة التربة، وجود بذور كامنة، تدخل الإنسان بالإيجاب أو السلب، وحماية المناطق من الرعي والحريق كلها تؤثر بشكل مباشر على سرعة التعافي".
ضربات شمس وحرائق... الحرارة تلفح أوروبا

الأمم المتحدة تدخل على خط النار

بالتوازي، أبدى منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، استعداد الأمم المتحدة لحشد الدعم السريع للحكومة السورية والمجتمعات المتضررة من الحرائق المندلعة في ريف اللاذقية.

ونقل مركز أنباء الأمم المتحدة عن عبد المولى، قوله، اليوم الاثنين: "تجري فرق الأمم المتحدة على الأرض تقييمات عاجلة لتحديد حجم الكارثة وتحديد الاحتياجات الإنسانية العاجلة"، معربًا عن "استعداد المنظمة الأممية لنشر بعثة مشتركة بين الوكالات في اللاذقية، بالتنسيق مع السلطات والشركاء، لتقييم الوضع بشكل أكبر واستكشاف سبل الدعم الفوري وطويل الأمد".

وأضاف عبد المولى: "في هذه الأوقات العصيبة، قلوبنا وأفكارنا مع أهالي اللاذقية، ونحن ثابتون في التزامنا بدعم السلطات المحلية وتقديم المساعدة المبدئية في الوقت المناسب لجميع المجتمعات المتضررة، بما يضمن تلبية الاحتياجات العاجلة بسرعة وفعالية".
مناقشة