هناك، في الخفاء، حيث تدور المعارك بين الجيش العربي السوري وتنظيم "داعش" والحركات والجماعات الإرهابية، كانت معركة أخرى تدور، أبطالها ليسوا إرهابيين، ولكنهم منتفعون وأصحاب مصلحة من سقوط ضحايا، يبحثون عن جثة هنا، أو مريض هناك، لينتهكوا جسده، ويحصلوا من أحشائه على مكاسب مالية، حرام.
مع تسارع الأحداث في الأحياء الشرقية في حلب، والعمل على إخلاء المدنيين، ظهرت للعلن حقائق جديدة، وجرائم كانت تحدث بشكل منظم ومدروس، فبينما كان الإرهاب يخطف الأرواح، كان هناك آخرون يخطفون من السوريين ما تبقى من أجسادهم، "كلية.. كبد.. عين.. قلب".. هؤلاء لم يوفروا شيئاً في الجسد السوري إلا وسرقوه، دون مُحاسب ولا ملاحق ولا حتى موثق.
في خضم الحرب والمعارك، نهشت تجارة الأعضاء البشرية أجساد السوريين، لتنضم لقائمة المصائب التي تلاحق شعبا يحاول الجميع افتراسه.
تكررت الأنباء التي تتحدث عن قيام مجموعات من المسلحين بالمسارعة إلى "إسعاف" عدد من الجرحى، قبل أن يتضح أن ما يبدو في ظاهره إسعافاً، هو في حقيقة الأمر سرقة أعضاء بشرية، تمهيداً لنقلها عبر الحدود التركية، وفق منظومة عمل مافياوية.
العم أبو محمد، ذو الـ60 عاماً، إحدى ضحايا الإرهاب، تحدث لمراسل "سبوتنيك" قائلاً: "لا أريد الذهاب إلى محافظة إدلب.. أريد أن أبقى في حلب وأريد أن أعيش".
يؤكّد أبو محمد أنه أحد ممن سرقت أعضاؤهم، "وذلك بعدما أصبت بقذيفة صاروخية، قام مسلحون بإسعافي، وتم سرقة كليتي وقسم من الطحال.. في حال حدوث انفجار لأي سبب من الأسباب، تسارع مجموعة من الأشخاص إلى موقع الانفجار، بحجة إسعاف الجرحى وانتشال الجثث، والادعاء أن بعض الجرحى أعيدوا إلى ذويهم بعد فترة من الزمن".
هذه الحالة ليست الأولى من نوعها، كما تؤكد علياء، التي بقيت حتى وقت قريب مقيمة في حي بستان القصر، الخاضع لسيطرة مسلّحي "جبهة النصرة".
وتقول "عرض علينا العلاج في أحد المشافي التركية، لعدم توفر العلاج في الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة المعارضة، حيث كان يتعرض الحي بشكل شبه يومي للضرب العشوائي، ما يخلف وراءه عديدا من المصابين والجرحى والقتلى".
تكمل علياء "تنشط التجارة بشكل كبير عند الحدود التركية، فكل شيء مباح حتى تجارة النساء، وبيع جثث الضحايا لقاء مبلغ 25 ألف ليرة سورية للجثة، و150 ألف ليرة للجريح الحي، ففي كل يوم يتم تزويد المشافي بأعداد كبيرة من المصابين نظراً لاتخاذ المعارك على الأرض منحى أعنف".
الإتجار بالأعضاء البشرية يمكن تسميته بالجريمة الصامتة، فلا يتم التكلم عنه إلا في العموميات، في ظل غياب أي إحصائية أو جهة رسمية تلاحقه، فآخر إحصائية تحدثت عن هذه الجريمة أشارت إلى توثيق 18 ألف حالة لسرقة أعضاء بشرية في الشمال السوري.
وبحسب تصريح هيئة الطب الشرعي في حلب لمراسل "سبوتنيك"، فإن عمليات سرقة الأعضاء البشرية في حلب تكون سهلة جدا، نتيجة القرب مع الحدود التركية التي تسهل عمليات دخول وخروج القاطنين في أماكن سيطرة العصابات الإرهابية، إضافة إلى ظهور أشخاص في الأحياء الشرقية من جنسيات مختلفة، يتظاهرون بتقديم خدمات إنسانية، وهم بالأصل "مافيا"، يتعاملون مع أطباء غير سوريين ويهربون الأعضاء البشرية لخارج الحدود.
من جهة ثانية، يؤكد الدكتور بهجت عكروش، لـ"سبوتنيك"، أنه تم فصل العديد من الأطباء السوريين، بعد التأكد من تعاملهم مع الخارج لبيع الأعضاء البشرية، مستغلين ظروف الحرب، لافتاً إلى أن ألمافيا تنشط في المناطق الساخنة، وخصوصاً المناطق الشمالية والشرقية ومخيمات اللجوء، على مرأى ومسمع من حكومات تلك الدول من دون أن تحرك ساكناً.
ويوضح عكروش أن معظم من يتعرضون لهذا الأمر أطفال في المناطق الشمالية، حيث يوجد أكثر من 100 ألف طفل سوري في مخيمات اللجوء في تركيا، معرضين للمصير عينه، وخاضعين لأنواع مختلفة من الإتجار، وما يزيد من المخاوف أن أكثر من 80% من النازحين في مخيمات اللجوء خارج الحدود من الأطفال والنساء، يُتاجر بهم خلال سنوات الأزمة، فقد قُدّرت بعشرات الآلاف حالات التورط التركي الذي لم يعد خافياً على أحد.
وأضاف الدكتور عكروش قائلا إنه في خضم الحرب التي تشن على سورية، أصبحت عملية الحصول على أعضاء السوريين أسهل، حيث تتم سرقة الأعضاء عبر مافيات منظمات طبية وغير طبية تستهدف السوريين، بدءاً من الكشف على الضحايا، وهي تستهدف الأصحاء، فأعضاء المرضى غير مرغوب فيها وتتم العملية عبر دول عدة، وذلك بدءا من الحصول على الأعضاء وإرسالها عبر الترانزيت إلى الدول التي ينبغي الوصول إليها، لافتاً إلى صعوبة سرقة الأعضاء في الدول الآمنة، فالقوانين والحالة الأمنية لا تسمح، وسورية من الدول النادرة التي توجد فيها رقابة على الاتجار بالبشر والقانون السوري يعاقب عليه.