"سنسمح لكم بالبقاء في المكان لبضع دقائق فقط، وعندما نطلب منكم الرحيل يجب أن تغادروا فورا حرصا على سلامتكم". هكذا جاءتنا كلمات أحد ضباط الشرطة السعودية لمراسلة "بي بي سي"، وهي تستعد لاستقلال السيارة المدرعة متوجهة إلى العوامية.
وتقول سالي "ما أن اقتربنا من البلدة حتى لاحظت أن الاتصالات الهاتفية لا تنقطع بين القوة الأمنية الخاصة التي ترافقنا داخل السيارة، والقادة الميدانيين على الأرض، وذلك للتأكد من أن الطريق إلى العوامية آمن".
وتضيف "تقع العوامية في محافظة القطيف شرقي المملكة، ويسكنها حوالي 30 ألف شخص، أغلبهم من "الشيعة". وبدت لي حاليا وكأنها منطقة حرب. شعرت لوهلة أنني في حلب أو في الموصل. لم يتبق منها سوى سيارات محترقة ومنازل ومتاجر متهدمة وجدران متداعية ثقبتها طلقات الرصاص".
وحسب ما تقول "بي بي سي" فإنه "على مدى سنوات اشتكى أبناء الأقلية "الشيعية" في السعودية مما وصفوه بالتمييز والتهميش. وكثيراً ما كانوا يخرجون في مظاهرات احتجاجية تفرقها قوات الأمن بمنتهى الصرامة والحسم".
حيث "لا تتحمل السلطات السعودية أي صوت معارض، سنياً كان أم شيعياً. يضيق صدر حكام السعودية بكل من يخالفهم الرأي"، حسب ما يرى علي الدبيسي مدير المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومقرها برلين.
وتقول مراسلة "بي بي سي": "أتجول في العوامية فألاحظ مجموعة من الجرافات تقف في وسط كل هذا الدمار. ففي مايو/ أيار الماضي بدأت السلطات في هدم منازل حي المسورة القديم في العوامية في إطار ما وصفته بمشروع تطوير عمراني".
"هدمنا 80 منزلا ولا يزال أمامنا نحو 400 منزل. إنها منازل قديمة ومتهالكة والمنطقة بحاجة إلى تطوير،"يخبرها عصام الملا، وكيل أمين المنطقة الشرقية للتعمير والمشاريع، ويضيف أن سكان العوامية نقلوا إلى أماكن أخرى، بعد أن حصلوا على تعويضات مالية مناسبة وكذلك منازل بديلة.
وحسب تقرير "بي بي سي" فقد تصاعدت المواجهات واكتسبت طابعاً مسلحاً بمجرد أن بدأت عمليات الهدم، إذ اتهمت مجموعات الأجهزة الأمنية بتهجير سكان العوامية قسراً، بهدف وأد أي محاولة للاحتجاج في المنطقة. وقال نشطاء إن رجال الأمن طوقوا البلدة وأغلقوا مداخلها ومخارجها في يوليو/ تموز الماضي، كما حرموا سكانها من حق الحصول على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية.
ويقول التقرير إنه "قتل العشرات من المدنيين ورجال الأمن من جراء الاشتباكات، وفقا للتقديرات الحكومية. وأوضح نشطاء أن من بين القتلى المدنيين طفلا في الثالثة من عمره".
وأرجعت الوزارة في بيان لـ"بي بي سي" حالة التوتر إلى "الجماعات الإرهابية التي تنشط منذ سنوات". وأضافت أن رجال الأمن يتعرضون لهجمات مسلحة باستخدام القذائف الصاروخية الموجهة والمواد الحارقة والعبوات الناسفة. كما أشارت إلى أن "الإرهابيين ضالعون في قتل المدنيين بشكل عشوائي وكذلك اتخاذهم دروعا بشرية، ما دفع الكثير من العائلات إلى الفرار خوفا".
وحسب التحقيق فإن "هذه ليست الرواية الوحيدة للأحداث". وتقول معدة التحقيق "نجحنا في الوصول إلى مواطن سعودي فر مؤخرا من العوامية طالبا اللجوء في ألمانيا. أخبرنا أن "الأمن السعودي كان يطلق النار على الجميع دون تفرقة. وكان يستهدف الرجال والنساء والعجائز وحتى الأطفال". ويضيف "لم أتمكن من مغادرة بيتي لأيام خشية أن أتعرض للقتل".
وحسب ما يقول التحقيق فقد أوضح الرجل، الذي طلب عدم الكشف عن هويته حرصا على حياته، "أنه لم يحمل السلاح مطلقا ضد الدولة، لكنه في الوقت نفسه يستطيع أن يتفهم دوافع من لجأوا لهذا الخيار". ويقول "في السعودية يمكن أن يحكم عليك بالإعدام لمجرد أنك تنتمي لطائفة دينية مغايرة لعموم السكان". ويستطرد "عندما تفقد حريتك وكرامتك ويحكم عليك بالإعدام في محاكمات صورية، غير عادلة فإنك لن تستطيع أن تصمت للأبد. ستضطر في يوم ما أن ترفع السلاح في وجه من يطلق النار عليك".
ويتذكر الرجل بداية انطلاق الاحتجاجات التي تزامنت مع "الربيع العربي" في عام 2011، ويقول "كنا متظاهرين سلميين لكن الأمن كان يفرقنا بالذخيرة الحية".
وحسب "بي بي سي" فإنه منذ ذلك الحين، ألقي القبض على المئات كما أنشئت محاكم جنائية خاصة من أجل القضايا المتعلقة "بالإهارب"، وفقا لمنظمات حقوقية. وقد قضت هذه المحاكم بإعدام أكثر من 30 شخصاً بينهم رجال وصبية بعد إدانتهم بجرائم متعلقة بالاحتجاج في محاكمات مشكوك في صحة إجراءاتها القانونية وفقاً لحقوقيين.
ويتخوف نشطاء من احتمال تنفيذ حكم الإعدام في أي لحظة في 14 شخصاً بينهم أربعة أشخاص أدينوا بمخالفات ارتكبوها عندما كانوا أطفالا، على حد قول منظمات حقوقية من بينها العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش.
ومن بين المحكوم عليهم بالإعدام أحد أقارب نمر النمر، المعارض البارز الذي أعدمته السلطات السعودية العام الماضي بتهمة الإرهاب.
ويضيف الرجل لمراسلة "بي بي سي": "قبل أن نرحل عن العوامية سمعنا طلقات رصاص جاءت من مسافة ليست بالبعيدة، لا ندري من أطلقها، لكن كان علينا أن نرحل مثلما طلب منا قائد الشرطة. وقبل أن نستقل السيارة المدرعة مرة أخرى، ألقيت نظرة أخيرة على العوامية التي أضحت مدينة أشباح. ربما أوشك القتال هنا على الانتهاء لكن أسباب الصراع لا تزال قائمة".