بدأنا في الفصل الأول من الكتاب بالحديث عن كيفية التحرر من التفكير الزائد، ثم تناول الفصل الثاني أهمية عيش اللحظة الحالية فقط وأصل خوف الإنسان وأسبابه الحقيقية، وواصل تول حديثه في الفصل الثالث عن معنى السعادة الحقيقية، وخطورة الانغماس فيما يعرف بـ"الوقت النفسي"، أما الفصل الرابع فقد سلط الضوء عن المعنى الحقيقي للحياة.
في خطوتنا الخامسة نحو تحقيق حالة التنوير الروحي ووعي الإنسان الكامل بذاته الحقيقية، يقدم تول مزيدا من التفاصيل والتوضيح عن بعض المفاهيم التي طرحها من قبل والتي ربما وجد القارئ بعض الصعوبة في استيعابها، مثل معنى الحضور وإدراك ما يحمله من جمال والمعنى الأكثر شمولية للانتظار وعلاقته بالدخول في اللحظة الحالية.
Don’t grieve. Anything you lose comes round in another form —
— Britannia PR (@Britanniacomms) February 23, 2018
# Rumi c @ramblingsloa #travel #photography #nature pic.twitter.com/4gAVEcSHA8
يرتكز الحضور في المقام الأول على مراقبة أفكار العقل، وشبّه تول حالة الإنسان وهو يراقب أفكار عقله، بحالة القط الذي يقف على مقربة من جحر الفأر ينتظر عودته، فإن غفل القط عنه للحظة سيفوت على نفسه صيده الثمين، كذلك الإنسان عندما يغفل عن مراقبة الأفكار التي تتوارد على عقله فإنه قد يهدر فرص تمر من أمام عينيه خلال حياته اليومية ولا يستغلها، وفي مرحلة متقدمة ينتقل الوعي إلى داخل الجسد، باستشعار الطاقة تسري من خلاله، وهو ما سنتعرض له بمزيد من التفصيل في الفصل السادس.
وتعرض تول في هذا الفصل لما ذكره آنفا عن الانتظار، فإن كنا نصف حالة الحضور بأنها مراقبة العقل للأفكار كالقط الذي ينتظر الفأر، فينبغي ألا نخلط بين الانتظار الذي يوجه انتباه الإنسان للحظة الحالية وذلك الانتظار الذي يجعل الإنسان يقاوم اللحظة الحالية والتعامل معها على أنها عائقًا أمام ما يريده في المستقبل.
Your status matters little, inner peace is earned by letting go. No university can teach this, no amount of money can buy this. — Nisargadatta Maharaj #Mindfulness #MindBody pic.twitter.com/iSzOK7z7Wy
— Denise McDermott MD (@DrDeniseMD) February 24, 2018
ينتج عن حالة الحضور لحظة التنوير الروحي التي يشعر فيها لإنسان بسعادة داخلية قد لا تدوم طويلا، تعرف لدى بعض المعتقدات بالحالة "ساتوري"، لكن على الرغم من روعة الشعور الذي ينتاب الإنسان في تلك اللحظة إلا أنها ليست هدفا في حد ذاتها، فالهدف هو تحقيق حالة الحضور المستمر، أي أن يصبح الحضور أسلوب حياة يشعر معه الإنسان بقدسية روحه وقدسية الطبيعة من حوله، وأن كل شيء ينبض بالحياة بشكل ما حتى الجماد.
يجد هذا المفهوم قبولا واسعا لدى الديانات السماوية وغيرها من المعتقدات، فالله وضع الحياة في كل ما هو حولنا، لكن استشعار تلك الحياة والتفاعل معها لا يكون لمن طغت أفكار عقولهم على أرواحهم فحجبت عنهم هذا الجمال بأشكاله المختلفة، لكن عندما يتحرر وعينا من الصورة المادية لنا وهي الجسم والعقل، ندخل في حالة التنوير النقي، التي تكشف للإنسان أبعادا جديدة للمشاهد التي ربما اعتاد رؤيتها.
National Geography photo of The year!! pic.twitter.com/x1T2TksUhe
— Back To Nature (@backt0nature) February 24, 2018
وينبغي الإشارة هنا إلى أن وعي الإنسان بذاته الحقيقية يجب أن يكون خاضعا للتجربة العملية لا للنظريات فالروح لا ولن يمكن إدراك ماهيتها الحقيقية، فقط يمكن إزالة غشاوة العقل والأنا من عليها، فمحاولة عقولنا إدراك حقيقة أرواحنا يمكن تشبيهه بالسمكة التي تتساءل عن حقيقة المياه التي تسعيش بادخلها، بالتأكيد هي تشعر بها بل أنها سر حياتها إلا أنها في الوقت ذاته لاتدرك حقيقتها بعقلها القاصر.
يساعد استشعار الحياة في البيئة المحيطة على الانسجام مع الطبيعة، فإن كان كل ما حولك ينبض بالحياة التي وضعها الله في كل شيء كما وضعها في الإنسان، فما المانع أن نشعر بأننا جزء من هذه الطبيعة إن كان مصدر الحياة واحد، فضلا عن زيادة التعاطف مع النباتات والحيوانات، حتى يصبح السلوك العدواني ضد البشر وبعضهم أمرا غير عقلانيا ولا تقبله الفطرة.
في الفصل السادس يتحرك المؤلف قدما على طريق التنوير، ليتحدث عن دور الوعي بالذات الحقيقية في عملية مسامحة الآخرين، وإبطاء شيخوخة الجسد وتقوية مناعته بمد جذور الوعي بالروح.