وإليكم نص الحوار مع الشاعر راسم المدهون.
الصحفي والشاعر الفلسطيني راسم المدهون بما أنك خرجت من غزة وأنت في غرة الشباب حين كان عمرك تسعة عشر عاماً... ما أكثر ما حُفر في ذاكرتك وقصائدك؟
غزة بالنسبة لي هي الذاكرة الحية، مثلما هي الطفولة والقراءات الأولى وبدايات التعرف على العالم وعلى تفاصيل التراجيديا الفلسطينية . الزمن الذي مرَ منذ غادرتها يبدو لي في كثير من الأحيان واقفا عندها وممتلىء بها وبملايين الصور التي تحمل كل صورة منها تفصيلا يثير في روحي الحنين والأسى معا . وبهذا المعنى تظل غزة أمَا كبرى تحنو على روحي رغم ما يمرُ بها من آلام لا تزال تحفر عميقا في خلاياي كل يوم وكل لحظة . هي أيضا أرض البدايات الأولى ، الحالمة ، والرومانسية والتي اقترنت كثيرا بالشعر وببدايات كتابته وببساطة وحتى سذاجة تجاربه الأولى التي احتاجت سنوات طويلة تالية كي تنمو قليلا وأستطيع أن أثق بها .
كان لوالدتك بالغ الأثر في ثقافتكم العالية هكذا تكلم عنها شقيقك الروائي المعروف ربعي المدهون بأحد مقابلاته وأنت ماذا تضيف؟ ولم صوت الوالد لا يظهر كثيرا في أشعارك؟
الأم مساحة الروح : هي أم خاصة بل شديدة الخصوصية وهي رغم أنها لم تتعلم في المدرسة كانت دوما ملتصقة بمدرسة الحياة وما فيها من آلام بسبب من حياتنا الاستثنائية في كل شيء . لا يحضر أبي في الشعر في صورة مباشرة أو لأقل في ظهور علني ، لكنه مع ذلك يتجول بين السطور والكلمات .
هل كتابتك لقصيدة النثر كان ثورة على الموروث والتقليد أم من قناعة ترسخت لديك أن زمن القصيدة العامودية قد ولى؟
في نظري أن الشعر هو الشعر أيا تكن أشكال كتابته أم انحيازي لقصيدة النثر فقد جاء بعد تجارب أحبها مع قصيدة التفعيلة وأعتقد أن هذا الانحياز جاء بسبب من رغبة عارمة في تجاوز الأشكال والقوالب المسبقة والمعدَة سلفا الى حالة أخرى تقوم على ما يشبه من نقطة صفر في الشكل . ابداع تلك الحالة يتأسس في بريَة شاسعة لا يسكنها سوى المخيلة ولا ينمو فيها الا الجموح .
كصديق لمحمود درويش وهو قامة شعرية عالمية سامقة ... بتجرد وكشاعر وصحفي مخضرم ..ماهي رؤيتك لشعره؟ لست صديق محمود درويش ولكنني عرفته جيدا ولا أضيف جديدا لما قيل عنه وعن تجربته الشعرية التي أصفها دائما بالتجربة الكبرى .
من منظورك لم كان تأثر بعض الشعراء العرب بشعر درويش أكثر من أقرانهم الفلسطينيين؟
لا أعرف بالضبط من تأثر أكثر بدرويش لكنني لا أستغرب ذلك فالشعراء من الأجيال الجديدة يتأثرون بالضرورة بالشاعر الأشهر ، ومع ذلك أعتقد أن شعراء فلسطين من مجايلي درويش ومن الذين أتوا بعده كانوا دوما حريصين على الابتعاد عن تجربته بسبب حرصهم على تأكيد ملامحهم الخاصة .
كونها بلا أسوار ولطبيعتها العفوية .. هل أورد بعض الشعراء قصيدة النثر موارد الجفاف؟ ولو كلّفت بوضع كل الشروط الضرورية لكتابة الشعر، فماذا تشترط؟ لا أظن أن من المنطقي أو المقبول الحديث عن شروط لكتابة الشعر أو غير الشعر ، فليكتب كل شاعر كما يريد وكما يرى ، المسألة بالنهاية تتحدد بالجماليات الفنية وبالقدرة على ملامسة روح القارىء المتذوق وهذه حالة لا قيود عليها .
تظهر كلمة النعاس بشكل متكرر في أشعارك ..هل كل قصيدة هي نتاج القلق الليلي طبقا لقولك "هل آخر الليل حديقة قلبك سيدتي وأنا حارسها الوحيد "؟
النعاس حلم أو لأقل أنه حديقة الحلم وسياجها في الوقت ذاته . هو أيضا نافذة الرؤية وبستان الحب ، ولهذا أميل للنعاس ، أنتظره وأعيشه وأعيد تركيبه بوصفه يتجاوز حالته البيولوجية ليكون نظرة العينين والقلب .
ماهي القصيدة التي اكتملت لديك وشفت عطشك من الشعر والحياة وأخذتك لمحبوبتك ..ولكن هل الشعر لايكتمل وأنا هنا أقتبس منك " لأعلن أن النشيد كاد أن يكتمل "؟
من الصعب الحديث عن قصيدة بالذات لكنني أحب قصيدتي "أغنية للذبول الجميل".
مجموعتك الشعرية الخامسة ( أغنية للذبول ) كانت حاضرة في معرضي المنامة وبغداد للكتاب.. لم اخترت الذبول ؟ هي لحظة ذبول كبرى أراها تطوقنا جميعا وأنا أتمنى ذبولا جميلا.