أزمات المواطن الليبي معاناة بلا حدود في ظل غياب الحلول الحقيقية

بعد مرور أكثر من 14 عامًا على ثورة فبراير، لا يزال المواطن الليبي يعاني من أزمات متتالية ألقت بظلالها الثقيلة على حياته اليومية.
Sputnik
الانقسامات السياسية، والتدهور الاقتصادي، والغياب المستمر للاستقرار الأمني، ساهمت جميعها في تآكل مقومات الحياة الكريمة.
برلماني ليبي: مؤتمر لندن لن يغير شيئا والوجوه المتكررة لا تصلح لحكم ليبيا
تمتد معاناة المواطن من محدودية الدخل وتأخر الرواتب، إلى ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار، مما أجبر الكثيرين على العمل في أكثر من وظيفة أو اللجوء إلى الاقتراض لتلبية احتياجات أسرهم، في ظل هذه الظروف، أصبحت الحاجة ملحّة لإصلاحات جذرية وسياسات مستدامة تعيد للمواطن ثقته بوطنه ومستقبله.
تهميش المواطن
قال المحلل والأكاديمي الليبي محمد درميش، إنه "من الواضح أن المواطن الليبي اليوم يعيش حالة من التهميش وفقدان السيطرة على مصيره، حيث لم تعد لديه أي أدوات مؤثرة في المشهد السياسي والاقتصادي".
الوضع الاقتصادي في ليبيا
وتابع "الوضع الحالي يعكس غياب بيئة مؤهلة لإجراء انتخابات حقيقية تؤدي إلى تجديد المجلس التشريعي وتشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على اتخاذ خطوات إصلاحية ملموسة لتحسين مستوى معيشة الفرد، ومعالجة التشوهات الهيكلية التي تثقل كاهل البلاد. المواطن الليبي أصبح غائباً عن الفعل، ومُثقلاً بخيبات متتالية".
وأضاف درميش في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "الحلول تكمن في تدخل المؤسسات الاعتبارية داخل الدولة، والتي يجب أن تركز على خلق بيئة مناسبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، والعمل على تنويع مصادر الدخل القومي، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بشكل ينسجم مع المعطيات الدولية والمتطلبات المحلية. هذا يتطلب إرادة سياسية قوية وخططاً استراتيجية واضحة التنفيذ".
الوضع الاقتصادي في ليبيا
وأشار إلى أن "تجاوز هذه الأزمات يعتمد بالدرجة الأولى على المواطن، ثم على دور الدولة في توفير البيئة المناسبة للإصلاح، وشدد على أهمية أن تكون القيادة السياسية مجهزة بإمكانات مادية وبشرية قوية لتطبيق قراراتها، مع التركيز على تنويع مصادر الدخل واستغلال الموارد بشكل فعال لتحقيق رفاهية المواطن".
لماذا كثفت ليبيا الدوريات الأمنية على الحدود مع تونس والجزائر
وفيما يخص الوضع الاقتصادي، أوضح درميش "أن السياسات الاقتصادية الحالية أدت إلى نتائج كارثية، مما دفع أغلب المواطنين إلى الاعتماد على القطاع العام للحصول على رواتب أساسية لا تغطي حتى احتياجاتهم الأساسية بسبب انخفاض قيمتها مقارنة بتكاليف المعيشة المتزايدة، هذا الواقع يدفع بالكثيرين للبحث عن فرص عمل إضافية في القطاع الخاص، لتخفيف العبء المالي عن أسرهم".
كما حذّر درميش من تكدّس العاملين في القطاع العام، مشيراً إلى أن هذا الوضع يعكس غياب دراسات معمّقة لقرارات الإصلاح. وأكد أن الإجراءات التي اتخذتها المؤسسات المالية، وعلى رأسها المصرف المركزي، دون تخطيط شامل، أدت إلى تفاقم التضخم وزيادة الضغط على الميزانية العامة، مما أثر سلباً على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل عصب الاقتصاد المحلي.
الوضع الاقتصادي في ليبيا
وقال إن "ما نشهده اليوم هو نتيجة حتمية لقرارات وسياسات ارتجالية لا تتناسب مع واقع البيئة الليبية، وتفتقر إلى رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار التغيرات المحلية والدولية".
أزمة الدخل
وفي سياق متصل، علّق الخبير الاقتصادي علي المحمودي على الوضع نفسه، وقال "المواطن الليبي يعاني من محدودية الدخل، مما يدفعه إلى اللجوء إلى الاقتراض من أقاربه أو العمل في أكثر من وظيفة لتلبية احتياجات أسرته. على الرغم من أن هذا الاتجاه يعكس إيجابية في الاعتماد على الحِرف، إلا أنه يكشف عيوباً واضحة، أبرزها غياب الضمان الاجتماعي للعاملين في هذا القطاع، بالإضافة إلى تأثيره السلبي على كفاءة موظفي القطاع العام".
الوضع الاقتصادي في ليبيا
وأضاف المحمودي في تصريح خاص لـ "سبوتنيك"، أن "الحلول التي تصب في مصلحة المواطن تتطلب استقراراً سياسياً وأمنياً واقتصاديا، هذا يستوجب وضع خطة اقتصادية متكاملة، تبدأ بخطط قصيرة المدى لتخفيف الأزمات الحالية، وتتبنى بعدها خططاً طويلة المدى تعالج جذور المشكلات التي يعاني منها الشعب الليبي لأكثر من 14 عاماً، لكن للأسف ما شهدناه حتى الآن لا يتعدى كونه إجراءات مؤقتة لا تقدم حلولاً حقيقية".
خبراء يحذرون من انتقال عناصر مسلحة من سوريا إلى ليبيا؟
وأشار إلى أن تجاوز هذه الأزمات يستلزم وجود سلطة تنفيذية ومالية وتشريعية موحدة، تنهي الانقسام السياسي وتدعم خطط تنويع مصادر الدخل، مع تقليل الاعتماد المفرط على النفط الذي يعاني اليوم من تناقص الإيرادات.
وشدد المحمودي على أهمية تنمية القطاع الخاص لدعم الاقتصاد، وتعزيز الإنتاج المحلي لزيادة إيرادات الدولة، وضرورة وضع سياسات مالية تراعي احتياجات المواطن اليومية وتضمن تحسين ظروف معيشته، حيث اعتبر أن تحقيق ذلك يعتمد على وجود رؤية شاملة وإرادة قوية لتطبيقها على أرض الواقع.
الوضع الاقتصادي في ليبيا
غياب العدالة الاجتماعية
قالت الحقوقية الليبية مريم الحوينط، إنه "يجب أن تقوم الدولة بتشجيع المواطنين على المشاريع الصغرى، وفتح فرص عمل للشباب والعاطلين عن العمل حتى يكون هناك تنوع في الدخل العام، ويساهم في رفع مستوى الدخل للمواطن".
وأضافت الحوينط في تصريح خاص لـ "سبوتنيك"، أنه "من الطبيعي أن يصاحب ذلك إصلاح منظومة الدولة الاقتصادية التي تسهل على المواطن تحقيق فرص العمل بشكل أكثر، والمساهمة في إصلاح المنظومة المصرفية والخدمات البنكية وتوفير السيولة النقدية في البنوك التي تعاني من نقص حاد في السيولة النقدية، حيث أن الاستقرار المالي يساهم في المحافظة على مستوى الدخل".
الوضع الاقتصادي في ليبيا
وتابعت يجب أن يتم تطبيق العدالة الاجتماعية، لأنها عامل مهم جداً خاص في بند توحيد المرتبات الذي لم ينطبق على أصحاب القرار ذوي الدخل المرتفع، بالمقابل يعاني المواطن من تدني قيمة المرتبات الاساسية.
وقالت بأن المواطن يعاني وغير قادر على شراء المنتجات التي تتماشى مع قيمة مرتبة، التي يبدو أنها خصصت لأصحاب الدخل المرتفع، هذا الأمر سبب تفاوت كبير وغياب في العدالة الاجتماعية في المجتمع.
وتابعت "كما أن غياب تطبيق القوانين التي صدرت فيما يخص بعض الفئات التي لم يتم تطبيق جداول المرتبات الخاصة بهم بعد التعديل سبب ذلك شرخ كبير في قيمة الإيرادات، مع غياب العدالة الاجتماعية في حقهم".
"الوطنية للنفط" في ليبيا تعلن القوة القاهرة ورفع حالة الطوارئ القصوى
وترى الحقوقية الليبية أن مركزية القرار والإجراء أصبحت عبء كبير على الليبيين، منهم يقطنون في المدن البعيدة عن العاصمة، هناك من يقطع آلاف الكيلومترات من أجل الحصول على أبسط الحقوق والإجراءات، وهذه معاناة تضاف لمعاناة المواطن في ليبيا.
وقالت إن المواطن الليبي يقاوم بالفعل في كل الأزمات المستمرة والتي تعتمد على القيام بعملية التكاثف الاجتماعي كالجمعيات الأهلية والجهود التطوعية التي تدعم أصحاب الدخل المحدود وعديمي الدخل، وهذه أبرز مقومات التكافل الاجتماعي، كما لجأ الكثير من المواطنين لبعض المشاريع البسيطة لسد احتياجاتهم في ظل هذه الأزمات.
الوضع الاقتصادي في ليبيا
وشددت الحوينط على ضرورة أن يقوم المواطن بالضغط على المؤسسات الحكومية من أجل توفير البيئة المناسبة للمشاريع الصغرى، حتى يتجاوز هذه الضغوطات التي صنعتها الحكومة في ظل غياب الخطط.
وقالت يجب أن يكون هناك تكاثف من المجتمع والدور الكبير على الدولة وأصحاب القرار، الذين يجب أن يضعوا كل المبادرات موضع التنفيذ وخلق بيئة مناسبة لذلك، من أجل خلق تنمية مستدامة.
ليبيا... خيبة أمل من الأمم المتحدة تدفع نحو دور أفريقي
وأشارت إلى ضرورة وجود حوار حقيقي من أجل حقوق المواطن ووضع استراتيجيات حقيقية للحد من الأزمات التي يعاني منها المواطن، تضم جميع الفئات بما فيها أصحاب القرار، حتى يحين الخروج بحلول حقيقية، كما يجب أن يتم تعزيز القانون ونبذ الفساد المستشري في الدولة.
ويرى الخبراء أن أزمة المواطن الليبي الاقتصادية والاجتماعية نتاج سياسات غير مدروسة وانقسام سياسي مستمر، مع التأكيد على أهمية إيجاد حلول مستدامة عبر تحقيق الاستقرار وتفعيل خطط اقتصادية متكاملة تدعم تنويع الدخل وتحسين مستوى المعيشة.
مناقشة