وأضاف الدكتور المفتاح في حوار خاص مع "سبوتنيك" أن السؤال الأهم قبل الحديث عن وقف إطلاق النار، هو "ما هي الاشتراطات الإسرائيلية لذلك؟" ولا سيما أن ما جرى على لسان قادة إسرائيل، وخصوصاً رئيس الحكومة هو أنه لن يقبل بوقف العمليات العسكرية في شمال فلسطين وفي لبنان إلا بعد أن يتم القضاء على قوة "حزب الله"، لا بل أكثر من ذلك إنه تحدث عن تحطيم عناصر قوات محور المقاومة والتصويب على على الجمهورية الإيرانية، إذاً خطاب نتنياهو لا يستقيم ولا يستوي مع ما تسرب من خلال وسائل الإعلام.
وأوضح مدير "مؤسسة القدس الدولية" أن الحديث الإسرائيلي عن وقف إطلاق النار له أسبابه، منها المتعلقة بحجم الخسائر التي منيت بها إسرائيل في الجبهة الشمالية، وأيضاً عدم قدرتها على اختراق الجنوب اللبناني إلا من خلال الاستهداف عبر الطيران وعبر المسيرات، وبالتالي لم تستطع الاشتباك المباشر مع قوات "حزب الله" التي استعادت إمكانياتها وظروفها التنظيمية، وبدأت تقصف أهدافاً داخل فلسطين المحتلة.
وأضاف: "وكذلك حديث الأمين العام لـ"حزب الله" السيد نعيم قاسم، عن أن هناك إمكانية لحرب طويلة وهناك عشرات الآلاف من المقاتلين، فـ"حزب الله" لم يستنفد قوته كما تدّعي إسرائيل بأنها قضت على سبعين بالمئة من إمكانياته القتالية، فالواضح أن ما يجري على الأرض مناقض للتصريحات الإسرائيلية".
إسرائيل تعيش "الخداع الذاتي"
وتابع الدكتور المفتاح: "الأمر الآخر هو الجبهة الداخلية في إسرائيل التي بدأت بالتذمر والتفكك، وبالتالي وقعت فيما يمكن أن نسميه "الخداع الذاتي"، إذ يتحدث نتنياهو أنه يستطيع تحقيق بنك الأهداف التي أعلنها خلال فترة قصيرة، واستعادة المختطفين، هذه الأشياء كلها لم تتحقق، وبالتالي هناك عدم يقين بما يجري على لسان نتنياهو، مشيراً إلى أنه بإقالة وزير دفاعه لم يعد يسمح بأي صوت آخر، وهذا يدل على أنه لم يحقق شيئاً، وبالتالي لا توجد إستراتيجية واضحة لهذه الحرب، فهي حرب تدور في فراغ.
ولفت مدير "مؤسسة القدس الدولية" إلى أن نتنياهو يحاول دائماً عندما يصل إلى طريق مسدود أن يسوّق فكرة جديدة، فقد سوّق للقضاء على المقاومة في غزة، وسوّق لفكرة استعادة المختطفين، ولفكرة وضع نظام أمني، ولإعادة المهجرين إلى الشمال بعد القضاء على المقاومة اللبنانية، واليوم يسوّق لفكرة أنه يريد أن يوقف ما يسمى "أوكسجين الدعم" الذي يأتي من محور المقاومة عبر العراق وسوريا إلى لبنان، وبالتالي استمرار زخم المقاومة، إذاً هو دائماً يبحث عن رواية يريد أن يلهي بها الجمهور الإسرائيلي ويقنعه بأن ثمة أهدافاً كبيرة تتحقق.
وقال الدكتور المفتاح: "إن النقطة الأخرى وهي باعتقادي مهمة، أن نتنياهو لكي يبرر هذا الحجم من الخسائر الكبيرة على كل المستويات يتحدث عن أنها معركة وجود، وعندما يتحدث عن معركة وجود يحقق هدفين، على الأقل، الأول هو أنه يسمح لنفسه ولقواته بارتكاب كل المجازر والارتكابات التي نراها بشكل واضح متذرعاً بأنها معركة وجود، ومن حقه أن يدافع عن وجود هذا الكيان الإسرائيلي، مضيفاً أن الأمر الثاني هو أنه عندما يتحدث عن حرب وجود فهذا يجعل الجمهور الإسرائيلي يتقبل حجم الخسائر بوصفها معركة وجود، إذاً هو يستخدم هذه الرواية من أجل تحقيق الهدفين، تبرير القتل والإجرام وحرب الإبادة، وخلق حالة استعداد نفسي وتقبل لحجم الخسائر".
نتنياهو لا يريد نقل (وقف الحرب) إلى الإدارة الجديدة
وأكد المحلل السياسي أن هناك تغيراً واضحاً اليوم، نتيجة للانتخابات الأمريكية، ووصول ترامب إلى سدة الرئاسة، وأعتقد أن نتنياهو - إذا كان يقبل بوقف إطلاق النار-، لا يريد أن يُرحّل القضية للإدارة الأمريكية القادمة، لكي تتفرغ لقضايا أخرى، وبالتالي لا يشكل لها إحراجا، إذ إن الإدارة الأمريكية الجديدة تعلن أنها تريد تحقيق السلام ووقف الحروب، وبالتالي ربما تنهي هذا الملف، ولا سيما أن وقف إطلاق النار لم يعد يحقق مكسباً لبايدن ولهاريس، فلو كان ذلك قبل الانتخابات لربما كسبت هاريس وحزبها، بأنها استطاعت أن توقف إطلاق النار، وبالتالي يزيد رصيدها الانتخابي. وهذا ربما يكون أحد أسباب توقيت الحديث في الإعلام الإسرائيلي عن وقف إطلاق النار.
مزاج إقليمي ودولي لم يعد يتقبل الإجرام الإسرائيلي
وأضاف الدكتور المفتاح أن الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي من الأسباب التي يتم أخذها بالحسبان، فهي سوف ترد وتدعم المقاومة بشكل كبير، ما سيؤدي إلى تحول في معطيات الحرب، وربما تزج بقوة أكبر أو ترد على العدوان الإسرائيلي الذي طالها في مخالفة واضحة للقانون الدولي وعدم احترام سيادة الجمهورية الإيرانية، مشيراً إلى أنه ثمة مزاج عام في المنطقة لم يعد يتقبل كل هذا الإجرام. وأيضاً لا ننسى أن الحكومة الأمريكية والإدارة الأمريكية قد وفرت القبة الحديدية للكيان الصهيوني لحمايته من الضربات بشكل واضح لكنها لم تستطع أن تحول دون قيام هذه الضربات، إلا أن الأهم من ذلك أنها وفرت له قبة حديدية سياسية في مجلس الأمن وهذا لا يقل أهمية عن القبة الحديدية العسكرية، فالقبة الحديدية السياسية جعلت من أمريكا وكأنها الممثل الداعم لإسرائيل في مجلس الأمن، وإن ما تلقاه إسرائيل من دعم من أمريكا ربما يتفوق ويزيد على المساعدات والدعم المقدم لبعض الولايات الأمريكية، إذاً نحن أمام حالة غير مسبوقة في العلاقات بين الدول.
ترامب يريد إعادة تعريف الهيمنة الأمريكية
وعن مسأله حل الدولتين قال المحلل السياسي: "إن حل الدولتين سيبقى حديثاً، وخاصة أن الرئيس ترامب، لا يؤمن بهذه المسألة حتى الآن، ولكنه عندما يستلم الحكم سيكون متحرراً من الضغوطات، لديه كونغرس جمهوري، وليس لديه فترة رئاسية ثانية، وبالتالي لم يعد بحاجة إلى أصوات أو إلى كسب رصيد لانتخابات قادمة وسيكون متحرراً من هذه المسألة، وربما سيعيد تفعيل السلام الاقتصادي أو ربما الاتحاد الإبراهيمي أو ما يسمى "صفقة القرن" لأنه ينظر للموضوع نظرة أخرى، مشيراً إلى أن ترامب يريد اليوم أن يغير في تعريف الهيمنة الأمريكية، فأمريكا كانت تريد الهيمنة عبر القوى العسكرية، أساطيل وبوارج وسيطرة على البحار وقواعد عسكرية، لكن ترامب يريد إعادة تعريف الهيمنة من هيمنة عبر فائض القوى العسكرية إلى هيمنة مع فائض القوى الاقتصادية وهذه نقطة جداً مهمة، لأنه رجل أعمال وبالتالي يريد أن تكون أي حماية مقابل المال لأنه يعتقد أن الرهان المستقبلي على قيادة العالم لن يكون للقوى العسكرية وإنما للقوى الاقتصادية".
وأوضح الدكتور المفتاح أن الصين تمثل اليوم أكبر تحد لأمريكا في الاقتصاد حيث الناتج المحلي الصيني يزيد على 17 تريليون دولار، وحجم التجارة بين الصين وروسيا يزيد على عشرين بالمئة، فالواضح أن ترامب يريد أن يقيم نوعاً من الحماية الاقتصادية، الحماية بدل الانفتاح، بدل العولمة التي هي فكرة أمريكية من أجل أن يُضعف الاقتصاد الصيني، ويقوّي الاقتصاد الأمريكي وبالتالي يحول دون أن تكون الصين هي القطب الاقتصادي الأول في العالم.
نتنياهو يستميل أمريكا بطرح بدائل للحزام والطريق
وتابع المحلل السياسي أن نتنياهو لكي يفتح الشهية الأمريكية على مشاريعه باتجاه إيران قد أخرج خريطة في الأمم المتحدة سوداء وخضراء وبيّن للأمريكان أنه سيقيم طريقاً اقتصادياً أو سوقاً اقتصادياً أو جبهة اقتصاد وشراكة اقتصادية، تبدأ من الهند إلى الخليج العربي إلى فلسطين، وبالتالي يعرقل الحزام والطريق الذي هو المشروع الأكبر للصين، إذاً هو بهذه الحالة يقدم مقبلات سياسية من أجل أن تنخرط أمريكا في مواجهة مع إيران لجهة السيطرة على الشرق الأوسط الذي هو قلب العالم وخزانه النفطي وخزانه الروحي وبالتالي يحد من الثورة الصينية بالاقتصاد، مشيرا إلى أن الأمريكي يرى أن الصين بقدر ما هي العدو الأول هي الشريك الأول، وما دامت الشريك الأول يمكن لأمريكا أن تحد من قدرتها الاقتصادية وبالتالي تتفوق عليها وتبقى متسيدة على دول العالم.
وقال الدكتور المفتاح: "الاقتصاد الإسرائيلي اليوم يُستنزف، فأكثر من أربعين مليار كلفة الحرب، وهناك استنفار كامل في الكيان الصهيوني، الجيش الإسرائيلي ثلثاه من الاحتياط وثلثه عامل، وبالتالي اليوم تعطلت حركة الاقتصاد الإسرائيلي والمرافق، وبالتالي لم تعد إسرائيل قادرة على تحمل حرب مفتوحة، مشيراً إلى أن محور المقاومة لديه نفس طويل، ولديه ربما قدرة على تحمل الخسائر، أكثر من إسرائيل وربما يكون هناك حديث عن وقف إطلاق النار لكن العجز التي ستصاب به إسرائيل سيحول دون ذلك، فهي تريد أن تقطف نتائج سريعة وتحقق إنجازات دون أن تخسر خسارة إستراتيجية".
وختم الدكتور المفتاح بالقول: "اليوم أكثر الدول باتت في مواجهة مع الكيان الإسرائيلي الذي تجاوز كل الحدود وبالتالي موازين القوى الدولية والإقليمية وحتى القوى الداخلية لم تعد في صالح الكيان، لذلك يمكن أن نرى تسوية سياسية، وربما صفقات سياسية، خاصة أننا اليوم أمام عالم سيخضع لترامبية سياسية، وهو عالم الصفقات وليس عالم الأيديولوجيا".