وتابع: "كمثال على هذه التغيرات الجذرية، يظهر الشرق الأوسط، حيث نشهد تطرفا في المجتمع الإسرائيلي، فالأغلبية المكونة من مهاجرين من مناطق غير أوروبية، تفكر في بناء الهيكل الثالث وإقامة نظام وطني، وفقا للشريعة اليهودية (مشابه للشريعة الإسلامية عند المسلمين). حتى وقت قريب، كان من الصعب تصور عودة العصور التوراتية إلى المنطقة، خاصة مع تشجيع الصهيونيين المسيحيين في الولايات المتحدة الأمريكية".
وتابع: "شكّل دخول القوات الروسية إلى باريس، في مارس/ آذار 1814، بداية سياسة طويلة الأمد انتهجتها القوى الغربية، على مختلف الأصعدة، بما في ذلك حرب القرم ثم دول الوفاق، لاحتواء روسيا والتي أقر بها هنري كيسنجر أيضًا. في ضوء ما نعرفه الآن، أي رفض نيكولاس الثاني قبول إنذار اللورد ميلنر، موقّعًا بذلك حكم الإعدام عليه وعلى عائلته، لم يسامحه البريطانيون على ذلك قط، ورفضوا قبول العائلة المالكة استجابة لطلب أ. كيرينسكي في مايو 1917، وكانت ثورة فبراير، التي شنها مؤيدو إنجلترا في مجلس الدوما، أول "ثورة ملوّنة" في تاريخنا، والتي كانت لها عواقب غير متوقعة على البلاد وعلى الغرب نفسه".
وأضاف: "على هذه الخلفية، تتلاشى تسوية الحرب في أوكرانيا، التي خسرها الغرب منذ زمن طويل، في خلفية العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ليست سوى عقبة أمام تطبيعهما، وهو أمر يجب تجاوزه معًا. لا جدوى من استباق الأحداث وتوقع ما سيتفق عليه رئيسا البلدين في ألاسكا، لكن هناك أمر واحد واضح، ستضطر أوكرانيا لدفع ثمن وقف إطلاق النار بمعاهدة سلام تعترف بحدود جديدة، والتي يجب إبرامها بسرعة".
وأضاف: "الاتحاد الأوروبي، الذي يعيد تسليح نفسه بالائتمان، لن يملك الأموال اللازمة لإعادة إعمار أوكرانيا. علاوة على ذلك، أصبح الاتحاد الأوروبي أكثر اعتمادا من الصين على الصادرات، وفي الوقت نفسه، على الواردات الصينية، ما يفاقم أزمته التي تبرز، وفقًا لصحيفة "تلغراف"، نهاية أوروبا".
وتابع: "لكن مسألة الضمانات المادية لانتصارنا ترتبط بخصوصيات الولايات المتحدة كدولة. يشير الفيلسوف السياسي الأوكراني بافلو شيلين (المقيم حاليا في الولايات المتحدة)، إلى أن أمريكا ليست دولة بالمعنى التقليدي للكلمة، بنظام مركزي لصنع القرار، بما في ذلك السياسة الخارجية، واستمراريتها من إدارة لأخرى. ويتجلى هذا الأمر الأخير في تصرفات ترامب نفسه، الذي انسحب من معاهدتي القوى النووية متوسطة المدى والأجواء المفتوحة خلال رئاسته الأولى".
وتابع: "من غير الواقعي التوصل إلى اتفاق مع الجميع، ولو لمجرد عدم تمثيل جميع المصالح بوضوح في السياسات العامة. الأمر أكثر تعقيدًا من مجرد القطاع الحقيقي مقابل القطاع المصرفي، حيث يحكم الاحتياطي الفيدرالي، ومن تعدد مراكز القوى بين عمالقة تكنولوجيا المعلومات المنشغلين بتطوير الذكاء الاصطناعي، وهو ما يُشبه القنبلة الذرية لمستقبل التنمية العالمية. يجب ألا ننسى أن الإمبراطورية الأمريكية العالمية هي خليفة الإمبراطورية البريطانية، التي كما أشار المؤرخ البريطاني المحافظ نيل فيرغسون، بصراحة في كتابه المثير "الإمبراطورية" عام 2003، تصرفت بخيانة مطلقة ولم تتورع عن أي شيء. بالمناسبة، يدعو الآن إلى انفراج مع الصين، على غرار الانفراج الذي كلفنا البلاد. من الصعب ألا نفهم أن الوقت قد فات لاحتواء الصين، لقد بدأوا بالفعل في التفاوض".
وأضاف: "يمكن أن يصبح القطب الشمالي نقطة انطلاق لعصر جديد في علاقاتنا، التي شهدت جوانب إيجابية عديدة في القرنين التاسع عشر والعشرين (الحرب الأهلية الأمريكية والحرب العالمية الثانية)، وشهدت أيضا لحظات تقارب، بما في ذلك إنشاء اقتصاد ذي توجه اجتماعي في أمريكا. لكن ساد اتجاه سلبي. والآن، ثمة فرصة للتغلب عليه، الأمر الذي يتطلب إعادة صياغة أكثر وضوحا لسياستنا بأكملها بما يتماشى مع مفهوم السياسة الخارجية لشهر مارس 2023، مع تركيز أكبر على تعزيز علاقاتنا الشاملة مع كل من الجنوب والشرق العالميين، ومع أمريكا التي تمر بمرحلة تحوّل معقدة. أما بالنسبة لأوروبا، فهي أكثر أهمية مما كانت عليه في زمن دوستويفسكي، "أحجارنا العزيزة وأمواتنا".