ويرى مراقبون أن هذا المشهد قد تكون له تداعيات سلبية على صورة المؤسسة التشريعية في الداخل والخارج، في ظل ما يعتبر أزمة ثقة متنامية بين مكونات البرلمان.
وقالت الكتلة في بيان تلقت "سبوتنيك" نسخة منه: "هذا القرار جاء على خلفية الخرق المتكرر لأحكام النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، وتجاهل مداولات مكتب المجلس عند اتخاذ القرارات، والانفراد بالرأي في
إدارة شؤون البرلمان".
وتعيد هذه التطورات إلى الأذهان مشهد الخلافات السياسية الحادة التي عاشها البرلمان التونسي عام 2021، والتي كانت من أبرز الأسباب التي دفعت الرئيس قيس سعيد حينئذ إلى تعليق أعمال البرلمان في يوليو/تموز 2021، قبل أن يعلن حله نهائيًا في مارس/آذار 2022.
وكانت تلك القرارات قد شملت أيضًا رفع الحصانة عن النواب، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتشكيل حكومة جديدة، إلى جانب إصدار التشريعات عبر المراسيم الرئاسية وحل المجلس الأعلى للقضاء، في خطوة اعتبرها الرئيس آنذاك "تصحيحا لمسار الثورة"، فيما رآها معارضوه "انحرافا في المسار الديمقراطي".
وأكد النائب التونسي نزار الصديق، في حديث لوكالة "سبوتنيك"، أنه قدّم استقالته رسميا برفقة النائب عبد العزيز الشعباني إلى مكتب المجلس، احتجاجا على ما وصفه بـ"الخرق المتكرر للنظام الداخلي والطابع الأحادي في إدارة البرلمان".
وبيّن النائب أن قراره جاء نتيجة ما اعتبره "تجاوزات في تطبيق النظام الداخلي وتعسفا في ممارسة الصلاحيات داخل مجلس نواب الشعب، خاصة تجاه الأعضاء المساعدين في المكتب"، مؤكدا أن الاستقالة "لا علاقة لها بنقاشات مشروع قانون المالية لسنة 2026، بل تعود إلى
ممارسات تمس من مبدأ التشاركية والشفافية في التسيير"، وفق تعبيره.
ووفقا للنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، يتكون مكتب المجلس من رئيس البرلمان ونائبيه وعشرة نواب مساعدين، ويتخذ قراراته بأغلبية الحاضرين على أن لا تقل عن الثلث،
وفي حال تساوي الأصوات يكون صوت الرئيس مرجحا. كما ينص الفصل 42 من النظام الداخلي على وجوب نشر قرارات المكتب في الموقع الإلكتروني للمجلس خلال أجل أقصاه ثلاثة أيام.
وفي سياق متصل، قالت النائبة عن كتلة "لينتصر الشعب"، بسمة الهمامي، في حديث لـ"سبوتنيك": "نحو أربعين نائبا أو أكثر يعتزمون التقدم بعريضة إلى مكتب الضبط لسحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودربالة، على خلفية تجاهل رئيس المجلس لعدد من مشاريع القوانين التي تمت مناقشتها داخل اللجان البرلمانية".
وتأتي هذه الدعوة في ظل
تصاعد التوترات داخل المؤسسة التشريعية، تزامنا مع انطلاق مناقشات مشروع قانون المالية لسنة 2026، ما يجعل الأزمة الحالية أكثر تعقيدا من كونها مجرد خلاف إداري أو تنظيمي.
وقالت: "هناك من يسعى للإطاحة بمؤسسات الدولة من أجل حل البرلمان وإسقاط النظام الحالي، وهي أطراف لها علاقة بجهات أجنبية"، وأضافت في مداخلة لاحقة بالجلسة العامة: "صحيح أن هناك استقالات داخل مكتب المجلس وعريضة
لسحب الثقة من رئيسه إبراهيم بودربالة، لكن سقوط البرلمان يعني عمليا إسقاط النظام".
مع تواصل
الجدل داخل الأوساط السياسية والبرلمانية حول أسباب موجة الاستقالات، لم يخف النائب نزار الصديق في حديثه مع "سبوتنيك" مخاوفه من أن تتطور الأوضاع داخل مجلس نواب الشعب إلى سيناريو مشابه لما حدث عام 2021.
وأوضح أن الأمل لا يزال قائمًا في تجاوز ما وصفه بـ"التقصير الحاصل" على مستوى تمرير مشاريع القوانين ذات الأولوية، من بينها مجلة الصرف ومجلة الاستثمار ومجلة المياه والغابات، التي اعتبرها من "صميم الثورة التشريعية" التي تحتاجها البلاد في المرحلة الراهنة.
من جهته، أوضح المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، في حديث لـ"سبوتنيك"، أن "
قرار سحب الثقة من رئيس البرلمان منظم قانونيا في النظام الداخلي للمجلس، وتحديدا في الفصل 40 الذي صودق عليه بموافقة 95 نائبا".
وينصّ الفصل المذكور على أنه "يمكن لمجلس نواب الشعب سحب الثقة من رئيسه أو أحد نائبيه بموافقة الأغلبية المطلقة من الأعضاء، استنادا إلى طلب كتابي معلّل يقدّمه ثلث النواب على الأقل إلى مكتب الضبط المركزي. ويلزم رئيس المجلس بنشر الطلب في الموقع الرسمي للبرلمان في أجل لا يتجاوز 24 ساعة من تلقيه".
كما "يلزم الفصل رئيس المجلس بدعوة المكتب إلى الانعقاد في غضون 72 ساعة من تاريخ إيداع العريضة، على أن تعرض على الجلسة العامة للتصويت في أجل لا يتجاوز ثلاثة أسابيع من تاريخ تقديمها. وفي حال سحب الثقة، يتم سد الشغور بنفس طريقة الانتخاب المنصوص عليها في النظام الداخلي".
أما الفصل 41، الذي صودق عليه من قبل 92 نائبا، فينص على أنه "في حال حدوث شغور نهائي في منصب رئيس البرلمان، يتولّى نائبه (أو نائبته بحسب الجنس) جميع صلاحياته إلى حين انتخاب رئيس جديد في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ الشغور".
وبيّن أن "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حددت شرط عدد التوقيعات لتمرير سحب الوكالة بعُشر الناخبين في الدائرة الانتخابية المعنية، وهو ما يجعل هذه الإجراءات
أكثر تعقيدا من سحب الثقة داخل المجلس نفسه".