حفلت وسائل الإعلام الأميركية، خلال الأسابيع القليلة الماضية بنقاشات وتحليلات واسعة تتعلق بتسريبات مفادها أن إدارة الرئيس أوباما تنظر في إدخال تغييرات جوهرية على الإستراتيجية النووية الأميركية، تلتزم فيها الولايات المتحدة بأن لا تكون البادئة بشن ضربة نووية أولى في أي حرب نووية، وإذا ما حصل ذلك بالفعل فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى انفراجة غير مسبوقة في العلاقات الدولية.
الرئيس باراك أوباما كان قد رفع في بداية ولايته الرئاسية الأولى شعار "عالم خال من الأسلحة النووية"، دون أن يتقدم خطوة عملية على نحو هذا الهدف خلال ما يقارب ثمانية سنوات من جلوسه على كرسي المكتب البيضاوي، لكن التسريبات تؤكد أن يدرس الآن اتخاذ مجموعة من الإجراءات من بينها تخفيض موازنة تحديث الترسانة النووية، وإلغاء أو تجميد تطوير صواريخ "كروز" بعيدة المدى، وفقاً لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست"، وإذا ما تحققت هذه الإجراءات ستخلق رغم محدوديتها أجواء ثقة في العلاقات الدولية.
رافضو فكرة تخفيض الأسلحة النووية الأميركية ينطلقون من زعم أن "الدول الأعضاء في النادي النووي الدولي لا تشارك الولايات المتحدة رغبتها في تخفيض الترسانة النووية"، وعلى حد قول براد روبرتس، المسؤول السابق في الذراع التنفيذي لسياسات الولايات المتحدة في إدارة الرئيس أوباما، "يجب التأني في اتخاذ قرار تخفيض الترسانة النووية الأميركية"، ويشكك روبرتس في كتابه "الأسلحة النووية الأميركية في القرن الحادي والعشرين" بقدرة إدارة أوباما على اتخاذ قرار التخفيض لأن "سيناريو اتخاذ قرار بشأن تحديث أو استبدال الترسانة النووية سيقع دائما في مستنقع الصراع بين جماعتي ضغط، الأولى ترى أن السلاح النووي شر وخيم لا بد من التخلص منه، والثانية ترى أن هذا النوع من السلاح هو شر لا بد منه وعامل ردع مهم لمنع نشوب الحروب، وبما أن تاريخ الصراع بين المجموعتين يبرز بوضوح ازدراء كل مجموعة لآراء الأخرى، فإن التوصل إلى قرارات في الشأن النووي كان دائماً عملية معقدة وشائكة ونادراً ما يتم التوصل إلى اتفاق على مضامينها".
عملياً تمنع الولايات المتحدة الأميركية إحراز تقدم في مجال السلاح النووي، بتعطيله إبرام معاهدة دولية تقضي بحظر الأسلحة في الفضاء، ولم تصدق على معاهدة حظر التجارب النووية، وتنتهك معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وتقف حجر عثرة في طريق إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، بمنحها مظلة حماية لإسرائيل، التي تتفرد بامتلاك ترسانة نووية في المنطقة. بينما أعلنت روسيا على الدوام مواقف إيجابية، وأبدت استعداها المرة تلو الأخرى في للبحث في قضايا الحد من التسلح.
إزاء موقف روسيا الواضح والإيجابي من يعطل إذاً هدف تخليص العالم من السلاح النووي؟ الإجابة ذات شقين، الشق الأول أجاب عليه براد روبرتس بفضحه للصراعات داخل إدارة أوباما حول هذا الملف، أما الشق الثاني فيتمثل في أن من يتخذون مواقف سلبية داخل النادي النووي الدولي هم حلفاء الولايات المتحدة، ففي الشهر الماضي أقر مجلس العموم البريطاني تحديث الترسانة النووية البريطانية، ضمن برنامج الحكومة اليمنية المحافظة برئاسة تيريزا ماي، التي صرحت بأنها لا تمانع في "الموافقة على ضربة نووية قد تؤدي إلى مقتل مئة ألف مدني". فضلاً عن رفض الولايات المتحدة لأي مساس بالترسانة النووية الإسرائيلية.
رغم كل ما سبق، إن التسريبات حول خطط لإعادة صياغة الإستراتيجية النووية الأميركية تعكس أجواء إيجابية، ويجب أن تقابل بالترحيب، لكن يبقى السؤال: هل يجرؤ أوباما على اتخاذ القرار وتطبيق الإجراءات المتعلقة به في المدة القليلة المتبقية من ولايته الثانية؟