وأضاف أن "بوتين ركز على مسألة حيوية تتعلق بالصناعة النووية، التي تحمل أبعادًا استراتيجية على المدى القريب والبعيد، في إطار التحديات التي تواجهها روسيا في ظل الأزمة الأوكرانية والتحولات الكبرى على الساحة العالمية".
وأشار في مداخلة عبر إذاعة "سبوتنيك"، إلى أن "الحديث عن الصناعة النووية من قبل بوتين يحمل رسائل متعددة الأبعاد موجهة لكل من الأصدقاء والأعداء على حد سواء".
وأوضح أن "روسيا تتميز بامتلاكها لأربع عناصر أساسية في مجال الصناعة النووية، حيث تعتبر الصناعة النووية أحد الدعائم الرئيسية لاقتصادها وأمنها، أولاً، تعتمد روسيا على الطاقة النووية في إنتاج الطاقة، ما يجعلها إحدى القوى العالمية البارزة في هذا المجال، ثانيًا، تعتبر روسيا رائدة في مجال التكنولوجيا المتقدمة المتعلقة بالطاقة النووية، ويعرف عنها تفوقها في هذا القطاع. وتعمل شركة "روس آتوم" الروسية على تمكين السوق العالمي من المحطات النووية الحديثة، ثالثًا، تمتلك موسكو أكبر ترسانة نووية في العالم، والتي تستمر في تحديثها بشكل دوري عبر منظومات متتالية، وهذا التحديث ليس فقط مرتبطًا بالصناعة النووية، بل يشمل أيضًا تطبيقات صناعية مهمة في العديد من القطاعات، ورابعًا، ترتبط الصناعة النووية بتطبيقات صناعية متعددة تُعتبر في غاية الأهمية، مما يعزز من دور روسيا في الاقتصاد العالمي".
وأضاف الخبير أن "الرسالة الأساسية من تعزيز الصناعة النووية الروسية تتمثل في قوتها العسكرية في مجال الردع الاستراتيجي، وهو ما ظهر بشكل جلي في الأزمة الأوكرانية، حيث لوحت الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة جو بايدن، بإمكانية تحول الحرب إلى حرب نووية، بالإضافة إلى احتمال تقديم دعم نووي لأوكرانيا، وفي هذا السياق، ردت روسيا بأنها مستعدة لمواجهة هذا التحدي، مؤكدة امتلاكها للقدرات الدفاعية والوقائية والهجومية اللازمة للرد في حال حدوث تصعيد نووي".
وأشار الخبير الجزائري إلى أن "الصناعة النووية تمثل مصدرًا استراتيجيًا لروسيا في سياق تنويع مصادر الطاقة والتحرر من الاعتماد التقليدي على النفط والغاز". وقال إن "هذه الصناعة تشكل ورقة قوية في يد روسيا، ليس فقط من أجل تعزيز دورها في مجال الطاقة، ولكن أيضًا لتعزيز مكانتها الدولية عبر الابتعاد عن الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز".
وتابع: "ومن الناحية الاقتصادية، تمثل هذه الصناعة مصدرًا هامًا للإيرادات، وتساهم في تعزيز الاقتصاد الروسي بشكل عام. كما أن الصناعة النووية تعد ورقة ضغط استراتيجية في العلاقات الدولية، حيث تمنح روسيا قدرة على تعديل قواعد اللعبة على المستوى العالمي".
وأفاد ضيف "سبوتنيك" بأن "روسيا تمتلك الأوراق التي تؤهلها لتكون لاعبًا رئيسيًا في إعادة تشكيل الخريطة العالمية بما يتماشى مع مصالحها". وأضاف أن "موسكو تسعى لتفكيك الألغام السياسية والاقتصادية التي خلّفها النظام العالمي السابق القائم على الهيمنة الأحادية القطبية"، مشيرًا إلى أن "الدول الصديقة لروسيا تدعم توجهاتها نحو عالم متعدد الأقطاب"، مشددًا على أن "هذه الدول تعتبر روسيا متحدثًا باسمهم، حيث ترى فيها قوة قادرة على الدفاع عن مصالحهم في الساحة الدولية".
وفي المقابل، أشار ميزاب إلى أن "الغرب، وخاصة الاتحاد الأوروبي، في حالة ترقب وتحفظ حيال هذه التحولات"، لافتًا إلى أن "الوضع في الاتحاد الأوروبي أصبح يشهد ظروفًا غير مسبوقة، حيث بدأ تبرز آثار السياسات الجديدة في شكل تصدعات داخل البيت الأوروبي، مما يثير القلق في ظل الظروف الاقتصادية المقلقة التي تعيشها القارة. وأضاف أن الوضع في أوروبا أصبح يتطلب إعادة تقييم شامل لمسار الاتحاد الأوروبي، الذي شهد خلافات وتباينًا في وجهات النظر حول كيفية التعامل مع الأزمة الأوكرانية".
وفي ما يتعلق بالولايات المتحدة، أوضح ميزاب أن "إدارة الرئيس دونالد ترامب تتبع نهجًا جديدًا في التعامل مع روسيا، يعتمد على الخلفية التجارية والصفقات السياسية، حيث أن ترامب يرى في التعامل مع موسكو فرصة لتحقيق مصالح أمريكية في مناطق أخرى من العالم، مثل الشرق الأوسط والصراع مع إيران والصين".
وأشار إلى أن "تصريحات ترامب حول أوكرانيا تحمل رسائل متعددة، حيث يستهدف ثلاث أطراف رئيسية: أولًا موسكو، حيث يبدو أنه يشير إلى استعداد واشنطن لعقد صفقة تضمن لروسيا نفوذًا واسعًا في أوكرانيا مقابل تنازلات في ملفات أخرى مهمة بالنسبة لأمريكا، ثانيًا، رسالة تحذير لكييف بأن الدعم الأمريكي قد لا يستمر بنفس الوتيرة السابقة إذا لم توافق على تسوية تقلل من الخسائر الأمريكية، ثالثًا، توجيه رسالة إلى أوروبا لاختبار مدى استعدادها للاستمرار في دعم أوكرانيا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة".
وحول الوضع في أوكرانيا، أضاف ميزاب أن "تصريحات ترامب تشير إلى توجهه نحو تفكيك الألغام التي تركتها إدارة بايدن"، مشيرًا إلى أن "بايدن كان يسير نحو تصعيد الصراع وفتح جبهات متعددة في مناطق مختلفة". وقال إن "روسيا الآن تواجه تحديًا مزدوجًا، حيث يجب عليها أن تقيم مدى تأثير هذه الرسائل على موقفها، وكيف ستتعاطى مع هذه التصريحات".
وتابع الخبير الاستراتيجي، قائلًا إن "روسيا لا ترى في "تجميد الصراع" خيارًا مستدامًا"، معتبرًا أن "هذا المصطلح غير معتاد ويثير الاستغراب، حيث يعد بمثابة وقف لإطلاق النار الذي لا يحقق أهدافًا استراتيجية حقيقية". وبيّن أن "روسيا قد تتعامل مع هذا التجميد وفقًا لعدة سيناريوهات محتملة: الأول، قبول التجميد بشروط تضمن اعترافًا فعليًا بعودة الأراضي المحتلة إلى روسيا، مع ضمانات بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، الثاني، رفض ضمني لمقترح التجميد مع استمرار التقدم العسكري الروسي على الأرض، الثالث، استخدام هذه الفترة للمناورة وكسب الوقت، بينما تواصل تعزيز نفوذها العسكري في أوكرانيا مع الرهان على تصاعد الانقسامات في المعسكر الغربي".