لافروف: روسيا تدعم إيران وحقوقها المشروعة وتؤكد أولوية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين
18:30 GMT, 15 ديسمبر 2025
أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن العلاقات الروسية الإيرانية تمثل إحدى أولويات السياسة الخارجية لموسكو، مشيرا إلى التزام روسيا بدعم إيران وحقوقها المشروعة، وإلى أهمية الحوار لتسوية الأزمات الإقليمية والدولية.
Sputnikوأوضح لافروف خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الرسمية، ردا على سؤال حول ما إذا كان العالم يتجه نحو مزيد من الفوضى أم نحو تشكل نظام دولي جديد أنه، "من بين أخطر التحديات الحالية هي تصرفات الاتحاد الأوروبي أو بالأحرى النخبة التي استولت على السلطة في بروكسل، والتي تسعى إلى فرض قراراتها على الحكومات الوطنية وتجاهل نتائج الانتخابات والاستفتاءات"، مؤكدا أن البيروقراطية في بروكسل تفتقر إلى الشرعية الشعبية.
وأشار إلى أن أوروبا كانت تاريخيا، مصدرا لأزمات كبرى، بدءا من العبودية والحملات الصليبية والاستعمار، وصولاً إلى الحربين العالميتين، مضيفا أن القارة تعود اليوم لمحاولة فرض إرادتها على الآخرين تحت غطاء الأزمة الأوكرانية.
وأضاف: "الأمر الأكثر إثارة للحزن والأخطر هو أن نظرية النازية وممارستها تعاد إحياؤها في أوروبا، وبالأخص في بروكسل، وكذلك في برلين ولندن وباريس، فضلا عن دول البلطيق. هذه مقاربات نازية صريحة، وتجاهل سافر لأفعال النظام النازي في أوكرانيا، تماما كما فعل أدولف هتلر، ونابليون من قبله. لكن في عهد نابليون، لم تكن النازية موجودة".
وتابع: "أما أدولف هتلر، فقد حشد، كما فعل نابليون، أوروبا بأكملها تقريبا،
ورفعها تحت الراية النازية ضد الاتحاد السوفيتي. والآن، تحاول أوروبا، وإدارة بايدن حتى وقت قريب، فعل الشيء نفسه، توحيد جميع الدول الأوروبية، وضخ الأموال والأسلحة في أوكرانيا، ومنحها الراية النازية. في الواقع، لم يكن هذا ضرورياً، لأن النظام الذي وصل إلى السلطة في انقلاب 2014 قد رفع الراية النازية بنفسه. والآن، تحت راية النازية، وبأموال أوروبية، وبمساعدة مدربين أوروبيين، وباستخدام أجهزة استخبارات أوروبية وغربية عموما، تضخ أوروبا لأوكرانيا أسلحة أكثر حداثة، لتشنّ أوروبا حربًا جديدة ضدّ بلادنا بأيادي وأجساد الأوكرانيين".
وأكد لافروف أن موسكو، تدافع عن مصالحها الأمنية وعن حقوق السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، منتقدا حظر اللغة الروسية والكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، ومعتبرا ذلك انتهاكا لحقوق أساسية.
رحيل حكومة الرئيس السوري السابق بشار الأسد
أكد لافروف إن موسكو دعمت الحكومة السورية برئاسة الرئيس السابق، بشار الأسد منذ عام 2015، عندما كان الجيش السوري محاصرا تقريبا من قبل المعارضة، مؤكدا على دور روسيا في تدمير البؤر الإرهابية وإقامة قواعد عسكرية جوية وبحرية في سوريا.
قال لافروف: "عندما بدأت الأحداث في سوريا قبل عام، لم تكن لدينا أي وحدات قتالية هناك. كان لدينا قاعدتان فقط، قاعدة جوية وقاعدة بحرية. كانت سرعة سيطرة المعارضة، بقيادة أحمد الشرع، على الأراضي غير متوقعة. لم تكن هناك مقاومة تذكر".
وأضاف لافروف أن "روسيا على تواصل مع السلطات السورية الجديدة، وأن
الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، زار روسيا، وقد التقيتُ 3 مرات بوزير خارجية الجمهورية العربية السورية الجديد".
وقال: "في جميع هذه الاتصالات، نؤكد على الأهمية القصوى للحفاظ على وحدة الدولة السورية. وهذا يتطلب حوارا وطنيا يشمل العلويين والسنة والدروز، وجميع الجماعات الإثنية والطائفية. وهناك أيضا القضية الكردية. على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، كان هذا الأمر محور اهتمام دائم. يسعى الكثيرون لاستغلاله لمصالحهم الشخصية".
وتابع لافروف: "يسيطر الأمريكيون على قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، ويعملون على تعزيز النزعات الانفصالية هناك بكل الوسائل الممكنة (منذ الإدارة السابقة). ولا يزال هذا النهج مستمرًا. ونعتقد أن هذا ينذر بقنبلة موقوتة أخرى. والأهم هو بدء حوار وطني، وهو أمر افتقدته سوريا طوال فترة حكم بشار الأسد".
وفي السياق ذاته، أشار لافروف إلى أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي تقول لأوروبا: "اهتموا بشؤونكم الخاصة ولا تتوقعوا من الولايات المتحدة أن تدعم مغامراتكم باستمرار. لدينا قضايا أكثر أهمية نوليها اهتماماً، ولا سيما أمريكا اللاتينية ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ".
وأكد لافروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إعادة تشكيل سياساتها الخارجية والاقتصادية بهدف احتواء صعود الصين، التي تحقق نموا متسارعا في مجالات الاقتصاد والمال والنفوذ السياسي.
وأوضح أن روسيا لا تعارض مبدأ المنافسة، لكنها تشدد على ضرورة أن تكون منافسة عادلة، لا تقوم على فرض تعريفات جمركية مرتفعة أو استخدام العقوبات كأداة سياسية.
وقال: "عندما تشمل هذه العقوبات حظر أنشطة أكبر الشركات في العالم، كما هو الحال مع شركتنا الخاصة، إذا ما تعمقنا في جوهر ما يحدث، لا أرى فيه سوى رغبة في قمع المنافسين بوسائل غير مشروعة. هذا يعني أن الغرب، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية، غالباً ما يفتقر إلى القوة اللازمة لخوض منافسة عادلة، وللحفاظ على هيمنته، يضطر إلى اللجوء إلى أساليب غير مشروعة، ومناهضة للديمقراطية، ومناهضة للسوق".
وأشار لافروف إلى أن صراع "القوى العظمى" بات يطغى على أزمات دولية ، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي والملف النووي الإيراني. وفي هذا السياق، وصف التطورات الأخيرة المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني (خطة العمل الشاملة المشتركة) بأنها مثال صارخ على تقويض القانون الدولي، مذكرا بأن الولايات المتحدة الأمريكية انسحبت من الاتفاق عام 2018 رغم كونه مؤيدا بقرار من مجلس الأمن الدولي (القرار 2231).
وأكد أن الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي بشأن
مصير الأصول الروسية المجمدة تكشف عن انقسامات عميقة، مشيرا إلى وجود أصوات عقلانية تُهمش وسط ضغوط سياسية صادرة من بروكسل. وأضاف أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين تتعرض لانتقادات حادة في وسائل إعلام روسية ودولية على خلفية هذه السياسات.
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أكد لافروف أن إسرائيل انتهكت عددا كبيرا من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تنص على ضرورة إقامة دولة فلسطينية باعتبارها أساسا لتسوية شاملة في الشرق الأوسط وتطبيع العلاقات بين الدول العربية والإسلامية وإسرائيل.
وأشار إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية عام 2002، والتي أقرتها لاحقا منظمة التعاون الإسلامي، معتبرا أنها تمثل موقفا إسلاميا جامعا يمنح الفلسطينيين حقوقهم القانونية، ويمهّد في المقابل لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ولفت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحكومته يرفضون بشكل قاطع فكرة إقامة دولة فلسطينية، مضيفا أن خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تواجه اتهامات بانتهاك شروطها من الجانبين، الإسرائيلي وحركة حماس، ما يضع مستقبل تنفيذها موضع شك.
العلاقات الإيرانية الروسية
أكد لافروف أن العلاقات الإيرانية–الروسية
تمثل إحدى أولويات موسكو على صعيد العلاقات الثنائية، مشيرا إلى دخول معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية الإيرانية حيز التنفيذ، في أكتوبر/اشرين الأول الماضي، بعد توقيعها من قبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ونظيره الإيراني، مسعود بزشكيان، خلال زيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو مطلع العام الجاري.
وأوضح لافروف أن المعاهدة تحدد مبادئ التضامن والدعم المتبادل بين البلدين في القضايا الدولية الأساسية، كما ترسم خطوات عملية لتطوير التعاون الثنائي، ولا سيما في مجالات الاقتصاد والاستثمار والتجارة وتنفيذ المشاريع الكبرى في البنية التحتية.
وفي الشأن الاقتصادي، لفت لافروف إلى أن توقيع إيران اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي عام 2023، إلى جانب حصولها على صفة مراقب في الاتحاد، يفتح آفاقا إضافية لزيادة حجم التبادل التجاري، معتبرا هذه الصفة حالة نادرة لدولة غير عضو في الاتحاد.
وأكد لافروف أن روسيا وإيران تنسقان بشكل وثيق على الساحة الدولية ضمن أطر متعددة، منها مجموعة "بريكس"، ومنظمة "شنغهاي" للتعاون، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، إضافة إلى الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي.
وأشار لافروف إلى أن التعاون العسكري والدفاعي بين روسيا وإيران يسهم في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، مؤكدا أن تعزيز قدرات الدفاع المشتركة يعد رادعا فعالا ضد أي محاولات عدوانية.
وأبرز لافروف أهمية تعزيز العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، خاصة المملكة العربية السعودية، بما يسهم في تطوير آليات أمنية مشتركة. مؤكدا أن روسيا تدعم عقد مؤتمر لإعداد تصور شامل للأمن في منطقة الخليج بمشاركة الدول المطلة على الخليج والجيران العرب لإيران.
وأكد لافروف، أن روسيا تواصل دعمها لإيران في
حقها المشروع في تطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية، مشددا على أهمية بقاء إيران ضمن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والالتزام ببروتوكولات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم التوترات الدولية والمواقف الغربية.
وأشار لافروف إلى أن خطة العمل الشاملة المشتركة التي أُقرت بموافقة مجلس الأمن الدولي كانت توافقا جماعيا، وتحملت إيران بموجبها التزامات تتجاوز التزامات الدول الأعضاء في المعاهدة، بما في ذلك الشفافية الكاملة والسماح لوكالة الطاقة الذرية بالوصول إلى المنشآت والبرامج النووية.
وأشار لافروف إلى مخاوف وزير الخارجية المصري حول الاتفاقية التي أبرمت بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة قبل عدة أشهر، موضحاً أن إيران لم تعد تعتبر هذه الاتفاقية ملزمة بسبب التقرير الذي أصدرته الوكالة والذي استُخدم من قبل الدول الأوروبية لإعادة فرض عقوبات غير قانونية.
وأوضح لافروف بأن روسيا ستواصل تشجيع استئناف التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، شرط أن يكون هذا التعاون نزيها وقائما على مبادئ تلائم الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولن يتم انتهاكها.
وأشار لافروف إلى أن المباحثات مع إيران وتركيا حول المصالحة الوطنية كانت إيجابية لكنها لم تثمر بالكامل بسبب عوامل متعددة.
وأكد لافروف إن موسكو تسعى لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع في أوكرانيا، محذرا من التهديدات الناتجة عن توسع الناتو تجاه الحدود الروسية وضم الأراضي ذات التاريخ الروسي. كما أكد دعم روسيا القانوني لإيران في مواجهة أي تهديدات خارجية.
وختم لافروف بالتأكيد أن روسيا ترحب بفهم الولايات المتحدة لموقفها، وأن أي حلول مؤقتة أو دعم عسكري مستمر لأوكرانيا دون معالجة الأسباب الجذرية للصراع لن يكون فعالاً.