وأضاف الخبير الاستراتيجي السوري: "هذا يفسر سقوط عشرات آلاف القتلى وجرح أكثر من مئة ألف آخرين غالبيتهم من النساء والأطفال، فضلاً عن سياسة التدمير الكلي والممنهج لمختلف مظاهر الحياة".
وأوضح الدكتور حسن في حوار خاص مع "سبوتنيك": "لعل الأسئلة الأكثر إلحاحا اليوم، والتي تراود أذهان الكثيرين تتعلق بالرد الإيراني المتوقع على العدوان الإسرائيلي، متى يكون، وكيف؟ فلا أحد يستطيع الادعاء أن لديه الأجوبة المقنعة على مثل هذه التساؤلات، لكن إذا استعرضنا ما حدث ووضعنا تداعيات المواجهة وآفاقها المحتملة على طاولة التحليل الموضوعي البعيد عن الرغبات والأماني يمكن رسم صورة تقريبية تساعد على تكوين تصور عام للقادم من الأيام".
الرد الآني سيقدم خدمة مجانية لترامب
وأشار الباحث الاستراتيجي إلى أن الخطاب الرسمي الإيراني بعد العدوان الإسرائيلي، بتاريخ 26/10/2024، على الداخل الإيراني تميز بأمرين هما أولا: التقليل من أهمية العدوان، والتركيز على كفاءة قوات الدفاع الجوي الإيراني في إسقاط كل الطائرات المسيرة وغالبية الصواريخ التي أطلقت من خارج المجال الجوي الإيراني، واقتصار الخسائر على استشهاد أربعة مقاتلين وتضرر بعض رادارات الدفاع الجوي في ثلاثة مواقع، مضيفا أن الأمر الثاني هو الاحتفاظ بحق الرد بما يخدم المصالح الإيرانية، مع تسريب أخبار بأن طهران ليست مستعجلة، لأن الرد الآني سيقدم خدمة مجانية لترامب قبل أيام من موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى أن طهران لا تريد أن تظهر بدور من يتسبب بمنع التوصل لاتفاق على وقف إطلاق النار في غزة أو على الجبهة اللبنانية.
وتابع الدكتور حسن: "إن الموقف الإسرائيلي كان على النقيض وركز على نجاح الهجوم، وتدمير أكثر من عشرين هدفا عسكريا إيرانيا مهما، وخاصة تلك التي شاركت في عملية "الوعد الصادق 2" التي نفذتها إيران، في الأول من تشرين الأول الماضي، بعد اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله، وقبله القائد فؤاد شكر، وزعيم حركة حماس إسماعيل هنية الذي اغتالته إسرائيل أثناء وجوده في طهران، بتاريخ 31/7/2024.
الحرب أمريكية أوكل تنفيذها لحكومة نتنياهو
وأشار الباحث الاستراتيجي إلى الإفراط غير المسبوق في استخدام الطاقة التدميرية من قبل الجيش الإسرائيلي بمباركة أمريكية، وتزويده بكل ما يطلبه لضمان الحسم ولو أدى ذلك إلى إبادة جمعية وتهجير قسري للفلسطينيين من غزة، وللبيئة الحاضنة لـ"حزب الله" من لبنان، وهناك من يرى ـــ وأنا أحدهم ـــ أن الحرب الدائرة في المنطقة حرب أمريكية، وقد أوكلت مهمة تنفيذها لحكومة نتنياهو مع أضواء خضراء كاشفة لترتكب ما تشاء من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من دون حسيب أو رقيب، موضحا عودة الخطاب الرسمي الإسرائيلي الذي تدنت سقوفه بعد عملية "الوعد الصادق" إلى الارتفاع والتبجح بالعمل على إقامة "الدولة اليهودية" بالقوة على حساب جميع دول المنطقة وشعوبها، وتعثر التوغل البري في الجنوب اللبناني، واستمرار المقاومة في غزة بالمواجهة وإلحاق خسائر نوعية في صفوف الجيش الإسرائيلي، وخاصة على الجبهة مع المقاومة في "حزب الله"، وعودة الخطاب الإيراني للارتفاع بما يتوازى مع التهديدات الإسرائيلية الممهورة بخاتم أمريكي، ولم يعد الخطاب يتحدث عن الاحتفاظ بحق الرد، بل بحتمية الرد القاسي والمؤلم.
وقف الحرب مؤجل لما بعد الانتخابات الأمريكية
وبيّن الدكتور حسن أن تأكيد قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي على حتمية الرد القادم، ليس لمجرد الانتقام بل هو خطوة منطقية في مواجهة الاستكبار العالمي، ومواجهة الظلم والاستكبار فريضة واجبة منبثقة من الدين والأخلاق والشريعة والقوانين الدولية، مشيرا إلى تبخر كل الآمال في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وعودة هوكشتاين إلى واشنطن، والتسليم بأن الأمر مؤجل إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، وهذا يعني منح الفرص الزمنية المتتالية لآلة القتل والإبادة للاستمرار في التوحش والتقتيل وتدمير كل مظاهر الحياة، إذ يبدو أن الإسرائيلي والأمريكي فهما أن الردود الإيرانية تعكس ترددا وخوفا إيرانيين، وهذا يشجع على زيادة التوغل والتغول في الإجرام.
الرد المحتمل خلال فترة الانتخابات
وقال الباحث الاستراتيجي: "ما بين 5/11/2024 موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وموعد تنصيب الرئيس المنتخب في 20/1/2025، شهران ونصف الشهر، وقد يكون هذا أحد السيناريوهات المحتملة أن تقدم إيران على تنفيذ وعيدها وتقوم برد مؤلم وقاس في تلك الفترة التي تكون أقرب إلى ما ينطبق عليه "مبدأ العطالة" بغض النظر عمن سيكون شاغل البيت الأبيض ترامب أم هاريس.
رد بعد إغلاق الصناديق
وأضاف الدكتور حسن أن هناك عددا من الجوانب المتعلقة بالرد الإيراني، منها أن الرد بعد إغلاق الصناديق لا يمنح ترامب أي فرصة تفضيلية قابلة للاستثمار في الانتخابات، وإذا فاز ترامب بالانتخابات فسيبقى خارج دائرة اتخاذ القرار حتى العشرين من كانون الثاني المقبل، وعندها تكون بوصلة تطور تداعيات المواجهة قد استقرت إما باتجاه حرب إقليمية كبرى، أو باتجاه التهدئة والجلوس إلى طاولة السياسة بدلا من منصات إطلاق الصواريخ، وإذا فازت هاريس، فطهران خبرت جيدا كيفية تعاملها وردود أفعالها إزاء تطور الأحداث وتداعياتها، مشيرا إلى أنه لم يسبق لإيران أن أعلنت موقفا إلا وعملت على تنفيذه، وخاصة إذا جاء الإعلان على لسان السيد الخامنئي، وما لم تقم إيران بالرد فإن مصداقيتها ستنهار، وتكلفة ذلك تفوق تكلفة الرد مهما كانت، وهذا يعيدنا إلى إعلان نتنياهو بأن الحرب الحالية حرب وجود، أي إذا لم تنتصر "إسرائيل" ستزول.
وختم الدكتور حسن بالقول: "لا يحق لأحد أن يقول لحائكي السجاد العجمي ما الذي يجب فعله، فهم الأدرى والأكفأ بقراءة اللوحة الإستراتيجية التي هي قيد التشكل، ومن السذاجة بمكان أن يفكر أحد بأن طهران قد تتخلى عن المرتبة العليا التي فرضتها بجدارة وفي كل ما تشهده المنطقة من أحداث وتداعيات، وهذا لا يصادر الحق بالقول: إن الفترة القادمة خطيرة جداً، وقد يكون من ضمن السيناريوهات المطروحة للنقاش على الطاولة الإيرانية: كيف يمكن تحويل التحدي الذي تشكله الانتخابات الأمريكية من خطر وتهديد إلى فرصة صالحة ليبنى عليها الكثير؟ وما قد يكون متاحا بعد إغلاق صناديق الاقتراع الأمريكية قد لا يكون ممكنا بعد تنصيب الرئيس الجديد بغض النظر عمن سيفوز".
يذكر أن الانتخابات الرئاسية ستجري في الولايات المتحدة، يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وتشارك فيها نائبة الرئيس الحالية، كامالا هاريس، مرشحة عن الحزب الديمقراطي، فيما يرشح الحزب الجمهوري الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.